مصر تحاصر هرب الأموال الساخنة وسط تحديات سوق الصرف
كان إعلان #الحكومة_المصرية عن هرب أكثر من 22 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق خلال الربع الأول من العام الماضي بمثابة جرس إنذار، حيث بدأت سلسلة من الأزمات محاصرة الاقتصاد المصري الذي يكافح طيلة السنوات الماضية في ملف الإصلاح الذي بدأ في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2016.
وفيما أعلنت الحكومة المصرية قبل أيام عن تفاصيل برنامج الطروحات الحكومية الذي من المقرر أن يشمل في البداية نحو 32 شركة، تشير البيانات الرسمية إلى تطور حركة تدفق الاستثمار الأجنبي إلى مصر خلال السنوات الماضية. وفي سبيل تحويل مصر إلى سوق جاذبة للاستثمار، أعلنت الحكومة عن عديد من الإجراءات والتسهيلات، إضافة إلى تدخلها في التشريعات وتغيير وتعديل بعض القوانين.
وفيما يرى البعض أن خسائر الجنيه المصري مقابل الدولار تعد مؤشراً سلبياً، فإن الوضع مختلف بالنسبة إلى المستثمرين الذين يبحثون عن أسعار عادلة للصرف، وفق ما ذكره محلل الاقتصاد الكلي، عماد كمال، مشيراً في حديثه لـ”اندبندنت عربية”، بأن المستثمرين غالباً ما يبحثون عن سوق مستقرة، وطالما يجري تقييم العملة بأكثر من قيمتها، فلا يمكن وصف هذه السوق بأنها مستقرة، لكن مع قيام البنك المركزي المصري بتنفيذ سعر الصرف المرن وتطبيق التعويم الكامل، فإن العملة المصرية مقيمة بأقل من قيمتها مقابل الدولار الأميركي في الوقت الحالي، مما يعزز من جاذبية السوق المصرية.
الخدمات المالية والهيدروجين الأخضر في الصدارة
يرى المدير التنفيذي لمجموعة “أي أم سي” للاستثمار محمود شكري أن قطاع الاستثمار المباشر في مصر يشهد عدة تحديات في ظل حالة التضخم المرتفعة وصعوبة توفير مستلزمات قطاع الصناعة والصناعات المساندة والتحويلية، فضلاً عن ارتفاع أسعار الفائدة، مما يعوق بشكل مباشر وغير مباشر فرض الاستثمار، بخاصة في المشاريع الصغيرة والمتناهية في الصغر، لكن ما يتعلق برفع أسعار الفائدة فهو إجراء موقت في ظل تحرك الحكومة بشكل سريع لاحتواء ملف ارتفاعات الأسعار وزيادة معدلات التضخم، وبالفعل تمكنت الشهادات التي طرحتها البنوك التابعة للحكومة المصرية خلال الشهر الماضي بعائد يبلغ 25 في المئة من امتصاص جزء كبير من السيولة المتاحة، ولذلك فمن المرجح أن تبدأ معدلات التضخم خلال الربع الثاني من العام الحالي.
وأشار شكري في حديثه لـ”اندبندنت عربية” إلى أن الحكومة المصرية تتوسع بشكل كبير في الإنفاق العام على الاستثمار، وتنفق مبالغ ضخمة على تطوير البنية التحتية استعداداً لعودة الاستثمارات العربية والأجنبية، حيث من المتوقع أن تستوعب البنية التحتية الضخمة التي نفذتها الحكومة المصرية على مدار السنوات الماضية كل الزيادات المتوقعة في الاستثمار الأجنبي الذي يتدفق إلى مصر.
وذكر أنه بعد الخروج من تداعيات الأزمات العالمية المتتالية التي بدأت بجائحة كورونا، ثم الأزمة الأوكرانية، وما تسببت فيه من ارتفاعات قياسية بأسعار الطاقة والغذاء على الصعيد العالمي، فلا بد من قيام الحكومة المصرية بإعداد خريطة بالقطاعات الأكثر نمواً، وبالفعل هناك قطاعات استقطبت رؤوس أموال ضخمة خلال الفترة الماضية، منها قطاع الاتصالات وخدمات الدفع الإلكتروني، نظراً إلى زيادة حجم العرض من قبل المنتجات والتسويق الإلكتروني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان لشركات الدفع وتقديم خدمات إلكترونية من توريق وبيع وتقديم خدمات لوجيستية، نصيب من جذب رؤوس أموال للاستثمار في هذا القطاع. ولا شك أن قطاع الاتصالات الذي بدأ يزاحم البنوك في تقديم خدمات مالية وطرح محافظ إلكترونية تواكب التطور الرهيب في منظومة الدفع وتنفيذ عملية الشمول المالي، قد يكون له نصيب أكبر من التوسع خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن تحرك الحكومة المصرية في ملف استثمارات الهيدروجين الأخضر أسفر عن فرص استثمارية ضخمة، وتأتي في ظل ظاهرة تغير المناخ وتحرك الحكومات نحو الطاقة الخضراء لتلبية حاجات التنمية المستدامة.
كيف تحركت أرقام الاستثمار الأجنبي في 7 سنوات؟
على صعيد البيانات الرسمية، فقد قفز حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر إلى 50.5 مليار دولار خلال آخر سبع سنوات. ووفق البيانات فقد زاد حجم الاستثمارات خلال عام 2015 إلى 6.88 مليار دولار بزيادة تقدر بنسبة 49.28 في المئة على عام 2014، ليرتفع إلى 8.1 مليار دولار عام 2016 بزيادة تقدر بنسبة 17.7 في المئة، لكنه تراجع إلى 7.4 مليار دولار في عام 2017 بنسبة انخفاض بلغت نحو 8.6 في المئة.
وواصل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة ارتفاعه خلال عامي 2018 و2019، حيث وصل حجمه في عام 2018 إلى 8.14 مليار دولار بزيادة تبلغ نسبتها 9.87 في المئة على عام 2017، و9.01 مليار دولار في عام 2019، لتسجل مصر بذلك أعلى مستوى من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر منذ عام 2010، بزيادة تبلغ نسبتها 40.6 في المئة، ومثل ذلك نحو 20 في المئة من إجمالي حجم الاستثمار الأجنبي المباشرة في القارة الأفريقية، والذي بلغ نحو 45.4 مليار دولار خلال عام 2019.
ونظراً إلى التحديات التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال عامي 2020 و2021 بسبب أزمة وباء كورونا، والتوترات التجارية بين القوى الدولية، ثم الأزمة الأوكرانية في عام 2022، فقد تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر بنحو 35.05 في المئة عن عام 2019، ليصبح 5.58 مليار دولار. وخلال عام 2021 شهد انخفاضاً بنسبة 12.47 في المئة عن أرقام عام 2020، ليصبح 5.12 مليار دولار.
وبالنسبة لمعدل الاستثمار المحلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، تشير البيانات إلى ارتفاع معدل الاستثمار المحلي من 14.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2014/2015، بزيادة نسبتها 0.7 في المئة عن العام المالي 2013/2014، ليرتفع إلى 15 في المئة خلال العام المالي 2015/2016.
كما ارتفع خلال العام المالي 2016/2017 إلى نحو 15.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بزيادة 0.3 في المئة على العام السابق. وخلال عام 2017/2018، ارتفع معدل الاستثمار المحلي من الناتج المحلي إلى 16.7 في المئة بزيادة قدرها 1.4 في المئة. وخلال العام المالي 2018/2019، ارتفع إلى 18 في المئة بزيادة بلغت نسبتها 1.3 في المئة على العام السابق.
لكن معدل الاستثمار الخاص المحلي في مصر شهد تراجعاً خلال عامي 2019/2020، و2020/2021، ليبلغ نحو 13.8 في المئة و12.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي، وذلك في ظل ما فرضته الأزمات العالمية من تحديات. وفيما يخص توزيع الاستثمار المحلي على القطاعين العام والخاص في مصر، استحوذت الاستثمارات الخاصة على أكثر من نصف الاستثمارات، حيث سجلت خلال عام 2018/2019 نحو 52.5 في المئة، غير أن تلك النسبة شهدت تراجعاً خلال عام 2020/2021 إلى 38.3 في المئة، وذلك بسبب جائحة كورونا، الأمر الذي استدعى تدخل الدولة لتعويض العجز في الاستثمارات الخاصة.
أسعار الأسهم لا تعكس قيمتها الحقيقية
ورأى مدير الاستثمار في “أتش دي” للاستثمار وتداول الأوراق المالية عمرو عبدالله أن الأسهم المصرية تعد من أفضل قطاعات الاستثمار في مصر في الوقت الحالي، وهو ما يرجع إلى عدة أسباب، أهمها الشركات المصرية المدرجة بسوق المال، وبخاصة الحكومية ذات النتائج المالية القوية، ما زالت في أسعار لا تعكس القيمة العادلة الحقيقية لتلك الشركات، ولذلك فقد نصحت مؤسسات مالية دولية المستثمرين من أجل التحوط من آثار التضخم عبر شراء الأسهم المصرية. يضاف إلى ذلك اهتمام الحكومة المصرية بطرح عديد من الشركات في برنامج هو الأضخم، وترأس رئيس الحكومة المصرية لجنة الطروحات الجديدة، كما أن مصر لديها مجموعة شركات في قطاعات مختلفة جاذبة للاستثمارات الأجنبية والخليجية، وتمتلك قطاعات متميزة كالقطاع المصرفي والخدمات المالية وقطاع البتروكيماويات والموانئ وتداول الحاويات، وهي فرص جاذبة تحقق عوائد استثمارية ضخمة.
وشدد على ضرورة توفير العملات الأجنبية وسهولة تحويلات الأجانب، بخاصة أن هذا الملف هو أكبر التحديات التي تواجه تحركات الحكومة المصرية لجذب مزيد من الاستثمارات الخارجية. ولفت إلى ضرورة القيام بتوسيع عملية الترويج الداخلي والخارجي للشركات المصرية المقرر طرحها خلال الفترة المقبلة، وإبراز أهمية القطاعات الجاذبة للاستثمار. كما أوصى بضرورة الاهتمام بقطاع السياحة وإدراج الشركات المتميزة بالقطاع في سوق المال المصرية نظراً إلى نشاط القطاع ونتائجه الإيجابية ونموه في ظل التوقعات الخاصة بزيادة أعداد السائحين الوافدين خلال الفترة المقبلة. وقال إن عدم وجود وزارة للاستثمار يؤثر بشكل سلبي في التحركات الخاصة بجذب مزيد من الاستثمارات العربية والأجنبية للسوق المصرية.