عالمي

لماذا يصعب على المدن المستضيفة للأولمبياد التحكم في الكلف؟

مثل كل مدينة تستضيف الألعاب الأولمبية، صممت باريس حفل الافتتاح لإحداث ضجة، مع عروض رقص خيالية وأبطال رياضيين يطفون على نهر السين وعرض ضخم قدمته المغنية الكندية سيلين ديون.

العرض الكبير شرط أساس، إذ تجمع مئات آلاف الأشخاص على جسور المدينة وضفاف نهرها لساعات لتشجيع الأسطول العائم ولكن لجعل هذه الألعاب الأولمبية فريدة حقاً، كانت باريس أيضاً تفكر في شيء أكثر هدوءاً، إذ تعهدت بمخالفة الاتجاه الطويل الأمد في إنفاق مبالغ طائلة على استضافتها.

ومع ذلك، يبدو أن هذه الرؤية للألعاب الأولمبية ذات الموازنة المحدودة لم تتحقق، فبلغت كلفة الألعاب في باريس أول مدينة تختبر بالكامل الإصلاحات التي قدمتها اللجنة الأولمبية الدولية قبل خمسة أعوام 8.87 مليار دولار في الأقل.

وعلى رغم أن هذا المبلغ ليس صادماً مقارنة بـ17 مليار دولار أنفقتها لندن في 2012، أو 28 مليار دولار التي أنفقتها طوكيو في 2021، أو 24 مليار دولار التي أنفقتها ريو دي جانيرو في 2016، فإن الرقم يتجاوز كلفة استضافة الألعاب المتوسطة تاريخياً بمليار دولار، وفقاً لدراسة أجراها باحثون في جامعة أكسفورد.

وخلصت الدراسة إلى أن كلفة الاستضافة تختلف عن الوعود المقدمة عند الترشيح أو المنافسة، فعندما صوتت اللجنة الأولمبية الدولية الأربعاء الماضي لمنح الألعاب الشتوية لعام 2030 إلى فرنسا والألعاب الشتوية لعام 2034 إلى مدينة سولت ليك الأميركية، كانت المدينتان المرشحتين الوحيدتين.

وإعادة استخدام المباني لم تحلّ بالضرورة مشكلة موازنة الألعاب، وكانت الحجة المركزية لباريس عند عرضها استضافة الألعاب هي أن إعادة استخدام المنشآت الرياضية القائمة سيساعدها على تجنب الاستثمار الرأسمالي الضخم الذي ألحق ضرراً اقتصادياً دائماً بالمدن الأولمبية مثل أثينا وريو دي جانيرو، فضلاً عن تجنب المشاعر المعادية للألعاب في المدينة، ووعدت لوس أنجليس التي ستستضيف دورة الألعاب الصيفية 2028، بعدم بناء أي منشآت أولمبية جديدة.

لكن بينما قد يكون تجديد المباني أكثر استدامة، فإن تكييف المعالم القديمة للألعاب الأولمبية استغرق أعواماً، فعلى سبيل المثال قصر غران باليه البالغ من العمر 125 سنة، وهو قاعة عرض ضخمة مغطاة بالحديد والزجاج في وسط باريس، تجرى داخله مسابقات المبارزة والتايكواندو، أغلقت للتجديد في مارس (آذار) 2021 وكان من المقرر أن يظل مغلقاً لفترة طويلة لدرجة أن المدينة قامت ببناء قصر غران باليه جديد قرب برج إيفل.

وقال الزميل في ممارسة الإدارة في “مدرسة سعيد” للأعمال الذي شارك في كتابة الدراسة ألكسندر بودزيير إن “ترقية الأماكن لتلبية معايير الأحداث الأولمبية ومتطلبات الإعلام والأمن قد تكون أكثر كلفة من بناء مبانٍ موقتة”، مضيفاً “لا يمكن إعادة استخدام كل شيء بسهولة، فمن من السياح سيكون مستعداً للانزلاق على مضمار زلاجات بأسرع من السرعات المميتة؟”، وتابع أن “هذه الأمور مكلفة وصعبة الاستعمال بعد ذلك”.

ومنذ عام 1960 في الأقل، تجاوزت كل مدينة مستضيفة للألعاب الأولمبية موازنتها المخططة، فقفزت موازنة طوكيو للألعاب الأولمبية 2020 التي تأجلت خلال جائحة كورونا إلى عام 2021، إلى ما يقارب أربعة أضعاف، وإنفاق لندن على ألعاب 2012 زاد أكثر من ثلاثة أضعاف عن تقديرات العرض.

ويعتقد بأن سوتشي في روسيا أنفقت مبلغاً مذهلاً قدره 50 مليار دولار لاستضافة ألعاب الشتاء 2014، مما يزيد بنحو 400 في المئة عن عرضها الأولي البالغ 10.3 مليار دولار (برر مسؤولون روس آنذاك بأن كثيراً من الأموال أنفقت على بناء الطرق).

الإفراط في الإنفاق

ويعدّ الإفراط في الإنفاق أحد الأسباب التي تجعل المدن التي طرحت عروضها للألعاب الأولمبية على تصويت المواطنين تنسحب في الغالب من الترشح، فعام 2017، لم يتبقَّ سوى باريس ولوس أنجليس كمرشحتين محتملتين لاستضافة ألعاب 2024، بعدما انسحبت بوسطن وهامبورغ وبودابست في مواجهة معارضة قوية في بلدانها.

وقالت عمدة باريس آن هيدالغو إن “باريس لم تجرِ استفتاء على استضافة الألعاب الأولمبية، عكس قضايا أخرى”، موضحاً أن “النتيجة كانت ستكون سلبية”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في حين أن إحدى المشكلات هي الجدول الزمني غير المرن، فعلى عكس المشاريع الكبيرة الأخرى مثل الطرق السريعة أو خطوط أنابيب النفط، يتم تحديد تقويم كل دورة أولمبية بصورة ثابتة قبل سبعة أعوام، بغض النظر عن الظروف الاقتصادية في ذلك الوقت.

وعن ذلك قال بودزيير “لا يمكن أن نتحجج بارتفاع معدلات التضخم أو طلب التأجيل لثلاثة أشهر مثلاً”، وقدرت دراسته المنشورة في مايو (أيار) الماضي أن معدل الإفراط في الإنفاق على الألعاب الأولمبية منذ عام 1960 بلغ 159 في المئة في المتوسط، وهو ثاني أعلى معدل بين 25 نوعاً من الاستثمارات الرأسمالية.

أرقام غامضة

ولا تزال أرقام الإنفاق غامضة، فبينما كانت طوكيو تحدّث إنفاقها الأولمبي كل ستة أشهر قبل ألعاب صيف 2021، تجنبت باريس القيام بذلك، ولا تشمل أحدث تقديرات الكلفة نحو 45000 من أفراد الأمن وتعويضات المحال التي أغلقت لمدة أسبوع في بعض أجزاء المدينة خلف الحواجز الأمنية أو مشروعاً بقيمة 1.4 مليار دولار لجعل نهر السين صالحاً للسباحة.

وقال بودزيير إن “هناك شفافية ضئيلة جداً حول ما أنفق”.

وخرب مجرمون ثلاثة خطوط سكك حديد حيوية قبل حفل افتتاح الألعاب الأولمبية بساعات، مما أربك خطط السفر لأكثر من مليون شخص وزاد من تشديد الأمن في باريس، إذ  أُرسل نحو 45000 شرطي و10000 جندي و22000 حارس أمن خاص لحماية الألعاب.

وتستخدم روسيا حظرها من الألعاب الأولمبية لإثارة القومية في الداخل، إذ مُنع الرياضيون الروس من المشاركة في الألعاب منذ عام 2022 بسبب هجومها على أوكرانيا، لكن الكرملين قدم غيابهم كمثال على النفاق الأميركي وكجزء من معركة وجودية مع الغرب.

ويتنافس في أولمبياد باريس 15 رياضياً فحسب من روسيا تحت تصنيف “محايد”، بعدما وصف رئيس اللجنة الأولمبية الروسية هؤلاء الرياضيين بـ”الوكلاء الأجانب.”

استضافة الألعاب تمثل سياسة اقتصادية جيدة

وتغيرت أمور كثيرة منذ أن استضافت باريس الألعاب الأولمبية عام 1924، فقد ارتفع عدد الدول المشاركة إلى 206 من 44 دولة، وزاد عدد الفعاليات إلى 329 من 126 فعالية، وأصبح نصف الرياضيين من النساء، بعد أن كنّ يمثلن أربعة في المئة فحسب.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى