كيف استعدت الصين للرد على حرب ترمب التجارية؟
استعدت الصين بمجموعة من إجراءات رد الفعل الانتقامية تجاه الولايات المتحدة، في حال نفذت إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب وعودها بحرب تجارية ضارية ما بين أكبر اقتصادين في العالم. وبحسب ما يرى المحللون في بكين ومحللو الأخطار في المؤسسات الدولية فإن حكومة الرئيس تشي جينبينغ استعدت هذه المرة لكل الاحتمالات في العلاقة مع واشنطن، خصوصاً في ظل الضعف الذي اعترى ثاني أكبر اقتصاد في العالم أخيراً، إذ جعله أكثر عرضة للضرر من أي إجراءات أميركية ضده، كما يشير تقرير مفصل لصحيفة “فايننشال تايمز”.
وكانت الصين أخذت على حين غرة في عام 2016 حين فاز ترمب بالانتخابات، ليفرض في فترة رئاسته السابقة رسوماً جمركية على الصادرات الصينية وقيوداً على الاستثمار في الصين وعقوبات على شركات صينية، وأبقت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن على تلك الرسوم والقيود والعقوبات، بل وزادت عليها في بعض الأحيان.
وعلى رغم المفاوضات ما بين واشنطن وبكين في فترة رئاسة ترمب السابقة، إلا أن الإجراءات الأميركية ضد الصين ظلت على مدى نحو ثماني سنوات الآن.
وخلال هذه السنوات، وفي سياق التحسب لزيادة الإجراءات الأميركية شرعت بكين قوانين جديدة تسمح للسلطات بوضع شركات أجنبية ضمن قوائم سوداء وفرض عقوبات صينية ومنع وصول الأميركيين إلى بعض سلاسل التوريد المهمة.
التفاوض بالعقوبات ورد الفعل
ومن غير الواضح حتى الآن، إن كانت الإدارة الأميركية الجديدة ستمضي قدماً في تنفيذ تعهدات ترمب الانتخابية بفرض رسوم جمركية بما بين 60 في المئة و100 في المئة على الصادرات الصينية للولايات المتحدة، أم إنها ستستخدم التهديد بها كورقة تفاوض للوصول إلى اتفاقات مع بكين تخفض العجز التجاري وتعطي أميركا أفضلية تجارية واستثمارية.
إلا أن ترشيحات ترمب حتى الآن للمناصب الأساسية في إدارته كلها تقريباً لشخصيات معروفة بمواقفها المعادية للصين، ومن يمكن وصفهم بأنهم “صقور”. ومع أن بكين توصلت إلى اتفاقات هشة مع إدارة ترمب السابقة، إلا أن أية مفاوضات مقبلة تشكل ضغطاً أكبر على الصين سيكون تأثيرها بالغ الضرر في اقتصادها، الذي يشهد تباطؤاً في النمو، ومشكلات كبرى من انهيار القطاع العقاري، إلى ارتفاع البطالة بين الشباب وتراجع إنفاق المستهلكين.
إلى ذلك يتحسب مستشارو الحكومة الصينية لاحتمالات التفاوض أو الحرب التجارية على السواء، إذ يقول المدير التنفيذي لمعهد “التفاهم والتعاون الدولي” في جامعة “بكين” وانغ دونغ “هذه عملية في اتجاهين، إذ ستحاول الصين بالطبع التواصل مع الرئيس ترمب بأية طريقة وأن تتفاوض”، مستدركاً “لكن إذا حدث مثل ما جرى عام 2018 ولم يتحقق شيء من خلال المفاوضات وكان علينا أن ندخل حرباً فبالتأكيد سندافع عن حقوق الصين ومصالحها”.
ولدى الصين الآن ترسانة من القوانين التي تسمح لها بالرد الانتقامي في حال تعرضها لمزيد من الضغط، فهناك قانون ضد العقوبات الأجنبية يجعلها قادرة على اتخاذ إجراءات مضادة ضد الدول الأجنبية، ولديها أيضاً “قائمة الكيانات غير الموثوق فيها” للشركات الأجنبية التي تعتبرها مهددة للأمن القومي للبلاد، ووسعت بكين أيضاً من نطاق قانون قيود الصادرات بما يسمح لها بتعزيز هيمنتها العالمية على توريد عدد من الموارد المهمة كالمعادن النادرة والليثيوم الضرورية للصناعات التكنولوجية الحديثة.
حماية المصالح
صحيح أن الاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصاد في العالم، ويعد سوقاً مهمة جداً للصادرات الصينية ويمكن لأي إجراءات عقابية أميركية أن تضر بشدة بفرص النمو الصينية، إلا أن بكين تبدو عازمة حماية مصالحها، كما يقول المحلل في شركة الاستشارات “كونترول ريسكس” أندرو غيلهولم، مضيفاً أن “كثيرين يقللون من قدرة الصين على إلحاق الضرر بالمصالح الأميركية”.
وأطلقت بكين بالفعل بعض الطلقات التحذيرية في الأشهر الأخيرة، منها فرض عقوبات على شركة “سكاي دايو”، وتقضي العقوبات بمنع الشركات الصينية من إمداد الشركة الأميركية بمكونات صناعة حرجة جداً. وشركة “سكاي دايو” هي أكبر شركة أميركية مصنعة للطائرات من دون طيار (درون) ومورد رئيس للجيش الأوكراني، وهددت الصين أيضاً بوضع مجموعة “بي في اتش”، التي تضم ماركات مثل “كالفين كلاين” و”تومي هيلفينغر”، على قائمة “الكيانات غير الموثوق فيها”، ويعني ذلك حرمان المجموعة وشركات الملابس التابعة لها من الوصول إلى السوق الصينية الهائلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأتي تلك الخطوات الصينية المحسوبة بدقة قبل تولي إدارة ترمب رسمياً مطلع العام المقبل، ويقول غيلهولم إن “هذه الخطوات ما هي إلا رأس جبل الجليد، وكثيراً ما أنصح عملاء شركتنا بتوخي الحذر من الأخطار الجيوسياسية لحرب تجارية أميركية – صينية، ذلك لأن الصين لم تبدأ ردود الفعل الانتقامية بجدية بعد”.
لا يقتصر الأمر بالنسبة إلى حماية المصالح على اتخاذ إجراءات رد فعل انتقامية في حال إشعال واشنطن حرباً تجارية على نطاق واسع، بل تسعى الصين كذلك منذ فترة إلى جعل صناعاتها التكنولوجية وإمدادات الموارد المهمة أقل عرضة للخطر ومقاومة أكثر لاحتمالات الاضطراب التي قد تسببها عقوبات أميركية، وتوسع الصين تجارتها وعلاقاتها الاقتصادية مع الدول الأقل ارتباطاً بالولايات المتحدة.
أضرار الصراع
ربما ترى الصين أن علاقاتها مع الولايات المتحدة كانت مستقرة نسبياً في ظل إدارة بايدن الراحلة، إلا أن تلك الإدارة واصلت ما بدأته إدارة ترمب السابقة عليها، بالتالي فهي كانت تتحسب لاحتمالات تصاعد الصراع الاقتصادي مع واشنطن.
ويقول محلل السياسة الخارجية في جامعة “تسجيانغ” للدراسات الدولية وانغ تشونغ “كان الجميع يتوقعون الأسوأ، لذا لن تكون هناك أية مفاجآت، فالكل جاهز لما هو آت”.
مع ذلك فإن أضرار الصراع التجاري على الصين ستكون هائلة ولا يمكن لبكين إغفال ذلك، فمن شأن فرض أميركا رسوماً جمركية بهذا الحجم على صادراتها أن يخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة معقولة، خصوصاً في ظل مشكلات الاقتصاد الصيني وتراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين فيه.
لذا ففي حالة التفاوض يتوقع أن تقبل الصين بشروط أميركية في مقابل تفادي الأضرار الهائلة للحرب التجارية، كما يقول البروفيسور غونغ جيونغ من جامعة “بكين” للأعمال والاقتصاد الدولي، إذ يذكر على سبيل المثال احتمال قبول الصين بزيادة استثماراتها المباشرة في الولايات المتحدة أو نقل مزيد من الصناعات إلى دول تراها أميركا مقبولة بالنسبة إليها.
هناك أيضاً احتمال أن يكون الضرر من تصاعد الصراع مزدوج التأثير، بمعنى أن يصيب الولايات المتحدة أيضاً وليس الصين، إذ يقول متخصص التجارة في شركة الاستشارات الصينية “تريفيوم” ومازور إن خطط إدارة ترمب فرض رسوماً على الواردات من كل الشركاء بنسبة 10 في المئة قد تفيد الصين.
يضيف “إذا بدأت اقتصادات كبرى أخرى ترى أن الولايات المتحدة لم تعد شريكاً تجارياً موثوقاً، يمكن لتلك الدول أن تسعى إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع الصين في سياق بحثها عن أسواق تصدير أفضل لها”.
في المقابل يرى بعض المحللين والاقتصاديين أن الإجراءات المضادة من بكين رداً على الرسوم الجمركية الأميركية يمكن أن تضر أكثر بالشركات الصينية بالتالي بالاقتصاد الصيني بصورة عامة على المدى الطويل، ولا شك أن القيادة الصينية تأخذ ذلك في الاعتبار، خصوصاً الصراع عامة ربما يؤدي إلى مزيد من تراجع الثقة في الاقتصاد.