عيون تونسية على عقود “إعمار درنة” وسط منافسة شرسة
أعلنت السلطات في شرق ليبيا عن تأجيل المؤتمر الدولي المخصص لإعادة إعمار مدينة درنة المنكوبة إلى مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بعد أن كان مقرراً عقده في الـ10 أكتوبر (تشرين الأول).
وأرجعت السلطات الليبية قرارها إلى موانع لوجيستية بناءً على طلب البلديات في المدن المتضررة من كارثة إعصار “دانيال”، وكذلك الشركات العالمية التي تعتزم حضور المؤتمر.
وكانت الحكومتان الليبيتان قد كشفتا عن انهيار البنى التحتية بالكامل بمدينة درنة وأجزاء من مدينتي سوسة والبيضاء، وأعلن البرلمان في شرق البلاد تخصيص 1.9 مليار يورو (ملياري دولار) لإعادة الإعمار، في حين نشرت مصلحة الطرقات والجسور التابعة لوزارة المواصلات في حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس، نتائج دراستها لحصر الأضرار في شبكة الطرقات بالمنطقة الشرقية، وقال رئيس غرفة الطوارئ بالمصلحة حسين سويدان إن نسبة الأضرار في البنى التحتية في المناطق المنكوبة تقدر بنحو 70 في المئة، فيما بلغت في الطرقات 50 في المئة، إضافة إلى انهيار 11 جسراً.
وكشفت اللجنة الفنية لحصر الأضرار عن أن شبكة الطرقات المنهارة تقدر بـ30 كيلومتراً، أما المساحة المتضررة في محيط الوادي وسط مدينة درنة فتبلغ مساحتها 90 هكتاراً.
وفي انتظار حصر بقية الأضرار والحاجات لإعادة إعمار بلديات الجبل الأخضر المنكوبة، تتجه أنظار البلدان المهتمة بالاستثمار في ليبيا، خصوصاً تلك التي تمتلك تقاليد في مجال إعادة تهيئة البنى التحتية وبناء المنشآت والأحياء السكنية والمقاولات إلى مشاريع إعادة اعمار درنة ومحيطها، وتأتي تونس على رأس قائمة هذه البلدان.
في هذا الإطار قال رئيس غرفة الصناعة والتجارة بصفاقس المنضوية تحت منظمة الأعراف (هيئة نقابية لأصحاب المؤسسات) هشام اللومي، إنه “يجري العمل مع غرفة التجارة والصناعة الليبية لفتح الآفاق أمام المؤسسات التونسية للاستثمار في إعادة الإعمار في درنة”، مشيراً إلى أن تتمثل في الشركات المصدرة لمواد البناء والتجهيزات الصحية، إضافة إلى مؤسسات المقاولات والعقارات.
وأضاف اللومي، “تمت اتصالات مع جميع الفاعلين في قطاع البناء وممولين ومتخصصين وعقد لقاءات مع مهنيين ليبيين في مجالات عدة”، داعياً المستثمرين الليبيين والتونسيون إلى دفع الشراكة بين الجانبين لإنجاز مشاريع الإعمار والإسكان في ليبيا.
من جهته، قال نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة لصفاقس الحبيب الحمامي إن “الشراكة في مجال الاستثمارات ورفع التنافسية في مجال عقود الإعمار يستوجب تسهيل إجراءات الصرف وتطوير المعاملات النقدية بين البنوك بالبلدين”.
يشار إلى أن تونس صدرت إلى السوق الليبية أسمنت بقيمة 183 مليون دينار (57.7 مليون دولار)، إضافة إلى 171 مليون دينار (53.9 مليون دولار) من المنتجات المعدنية والحديدية، إلى جانب 39 مليون دينار (12.3 مليون دولار) من منتجات السيراميك خلال الأشهر الثمانية لعام 2023.
وتعد ليبيا الشريك الأول لتونس عربياً، والخامس عالمياً، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 2.3 مليار دينار (725 مليون دولار) خلال الأشهر الثمانية لعام 2023، محققة زيادة قدرها 18.5 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، ويستأثر القطاع الصناعي بنحو 40 في المئة منها.
سقف مالي للمقاولات
من جهته، قال رئيس الجامعة الوطنية لمؤسسات البناء والأشغال العامة (مستقلة) جمال القصيبي في تصريح إلى “اندبندنت عربية” إن “المؤسسات التونسية مهتمة بملف إعادة الإعمار في ليبيا، ولها تقاليد في هذا المجال، وتلقت دعوة لحضور مؤتمر إعادة اعمار درنة”، مضيفاً أن “ثلاث مؤسسات منها حضورها إلى الآن في حين ينتظر مشاركة أوسع بحكم وجود عدد كبير من الشركات التونسية في ليبيا”، مشيراً إلى أنها تتجاوز 10 مؤسسات تنشط بمجال المقاولات والبناء منذ سنة 2018، لافتاً إلى الشركات التونسية على عقود إعادة اعمار تتجاوز قيمتها مليار دولار تتوزع على كامل التراب الليبي بالمناطق الشرقية والغربية على حد السواء، وتعمل في مجالات عدة منها مشاريع سكنية وتشييد منشآت حكومية، خصوصاً المستشفيات والنزل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح القصيبي أن “الشركات التونسية تهيمن على معظم مشاريع مقاولات بناء الطرقات وحظوظها في الحصول على عقود إعادة إعمار درنة وافرة”، مستدركاً “لكنها تظل محدودة بسقف كلف المشاريع، إذ يعجز القطاع الخاص في تونس على تسلم مشاريع تتجاوز قيمتها المالية 300 مليون دولار بسبب عدم تمتعه بمرافقة مالية من قبل البنوك التونسية، خلافاً لمنافسيه المباشرين من شركات تركية ومصرية وأوروبية، تحظى بتمويلات ضخمة من المؤسسات المالية ببلدانهم، علاوة على الدعم السياسي والدبلوماسي لتمهيد تمركزهم بالسوق الليبية”، مشيراً إلى أن “الشركات العقارية في تونس عانت مصاعب تمثلت في تأمين حاجاتها المالية على رغم توفر الفرص في مجال المقاولات بالسوق الليبية بحكم ارتفاع مؤشر الثقة في قطاع العقارات وواردات مواد البناء التونسية بالسوق الليبية”.
وتوقع القصيبي أن “تظهر تونس قدرات تنافسية جيدة على مشاريع بناء السدود الجبلية التي تتراوح قيمتها بين 50 و100 مليون دولار.
منافسة مصرية – تركية شرسة
في المقابل رأى المحلل المتخصص في الشؤون الليبية مصطفى عبدالكبير أن “الجانب التونسي يواجه منافسة شرسة من الشركات التركية والمصرية خصوصاً، بحكم ارتباط العقود المنتظرة بالأرضية السياسية وعلاقات بلدان المنافسين بأصحاب القرار في ليبيا، وبالتحديد بالشرق الليبي”، مضيفاً أن “القطاع الخاص التونسي لا يتمتع بشراكات موقعة بين الدولة التونسية وحكومة شرق ليبيا، مما يؤهله في المستقبل لتوقيع عقود ضخمة” متوقعاً أن “تقتصر حظوظ الشركات التونسية على عقود متعلقة بمجالات الصيانة والكهرباء وشبكات المياه والري وما يطلق عليه الأشغال التكميلية إلى جانب أسواق مواد البناء مثل الرخام والجبس ومواد التجهيز الصحية”.
من جهته، وصف المتخصص في الشؤون الليبية غازي معلى، مؤتمر إعمار درنة بالمرتجل، معتبراً الحديث عن عقود الإعمار سابقاً لأوانه”، مرجعاً ذلك إلى غياب الدراسات التقديرية للأضرار ثم لمجالات التدخل وقيمة المشاريع.
وحول حظوظ تونس في هذه السوق قال إنها “هي رهينة الدبلوماسية الاقتصادية والدعم السياسي الذي يبدو ضعيفاً إلى حدود الوقت الراهن”.