صرف الدولار والغوث في 2023 «2 من 2»
على النقيض من ذلك، أتت ذروات الدولار في وقت مبكر عندما رفع “الاحتياطي الفيدرالي” أسعار الفائدة في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الـ20. في ذلك الحين، كان التضخم المرتفع يمثل الخطر الرئيس الذي يهدد النمو والمصدر الرئيس لعدم اليقين بشأن السياسات والسوق. وعندما بدأ التضخم ينخفض، انحسرت حالة عدم اليقين بشأن السياسات والنمو. واستعادت السوق في النهاية الثقة بقدرة “الاحتياطي الفيدرالي” على تخفيف شدة سياساته في مواجهة مخاطر الركود دون التضحية بالتزامه بالتضخم المنخفض المستقر.
مع تراجع التضخم، ستميل توقعات النمو إلى التحسن، وستنحسر حالة عدم اليقين، وكذا الحال بالنسبة إلى الدولار، بعد الاستفادة من وتيرة رفع أسعار الفائدة التراكمية السريعة – في طريقه إلى الصعود – بات من المرجح الآن أن يعاني الدولار، حيث تقود الولايات المتحدة العالـم في جهود إعادة التضخم إلى الانخفاض، لأن سلوك “الاحتياطي الفيدرالي” يميل إلى التحكم في وتيرة تحركات أسعار الفائدة في أماكن أخرى. مع اقتراب “الاحتياطي الفيدرالي” من إيقاف -أو ربما حتى إنهاء- عملية إحكام السياسات، ستكون كل البنوك المركزية الأخرى مستعدة لإبطاء تحركاتها أو التوقف في النهاية أيضا. وسيؤدي هذا إلى إغراء المستثمرين على الخروج من ملاذاتهم الدولارية الآمنة والعودة إلى أصول أعلى خطورة. من المرجح أن يقدم الدولار أسعار فائدة أعلى نسبيا بالقيمة المطلقة، لكن حالة العائد هذه من المنتظر أن تتقلص في 2023 مع استبعاد أسعار السوق بعض الزيادات التي حدثت في 2022.
عندما يتعلق الأمر بزخم النمو النسبي، لم تتباطأ الولايات المتحدة بشكل حاد مثل نظيراتها، ويرجع هذا بدرجة كبيرة إلى أنها كانت أقل قربا من الصدمات المذكورة أعلاه. لكن هذه الديناميكية يجب أن تعمل الآن في الاتجاه المعاكس في 2023، لو لم تحدث بعض الصدمات الخارجية المنشأ أو تداعيات كبيرة للحرب الدائرة في أوكرانيا.
كانت تعديلات توقعات النمو نزولا في الصين وما ترتب على ذلك من ضعف أداء العملات الأجنبية عائقا واضحا لأسواق الفوركس في عموم الأمر. وقد يشكل إنهاء سياسية كوفيد ـ صـفر، على الأقل إلى الحد الذي يسمح بنجاح استراتيجية الخروج، مصدرا مهما للضغوط الكفيلة بدفع قيمة الدولار نزولا. ومع اقتران هذا بانتعاش توقعات النمو الصينية، ستستفيد العملات في آسيا وأوروبا بشكل معقول من اقتصاد أمريكي يتسم بتباطؤ النمو واستمرار التضخم.
بطبيعة الحال، سيظل خطر وقوع صدمات جديدة وغير متوقعة قائما على الدوام. لكن ما لم تقع هذه الصدمات، وإلى أن تحدث، يجب أن يستمر انخفاض قيمة الدولار، مع انحسار حالة عدم اليقين المحيطة بالتضخم، وتراجع تقلبات السياسة النقدية. من منظور بقية العالم، يـعـد انخفاض قيمة الدولار أرخص شكل متاح من أشكال التحفيز. وهذا نبأ طيب للنمو العالمي ـ ما دام باقيا.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.
Source link