عالمي

شبح الانهيار يخيم على الاقتصاد السوداني وسط ضبابية الأزمة

مر عام 2022 قاسياً على السودان من الناحية الاقتصادية، بعد أن عجزت السلطة عن تحييد آثار انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 أو التخفيف منها، والإيرادات العامة كانت 2.9 مليار دولار في 2022، ما يمثل 9.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسودان، الذي بلغ 30.5 مليار دولار بنمو 0.6 في المئة بنهاية 2021.

كما بلغ إجمالي الصادرات 4.3 مليار دولار في 2022، بينما كانت جملة الواردات 11 مليار دولار بعجز كبير في الميزان التجاري بلغ 6.7 مليار دولار، وكان إسهام المنح الأجنبية بالإيرادات خلال العام ذاته (صفراً)، بعد أن تسبب الانقلاب في تعليق المساعدات الدولية وإيقاف أنشطة البنك الدولي ومشروعاته وتجميد اتفاقية إعفاء الديون من مجموعة نادي باريس وفقد السودان نحو 4.3 مليار دولار كان يمكن الاستفادة منها في حال استمر مسار الانتقال.

عملت السلطات على تعويض هذا النقص بزيادة الضرائب التي تسببت في دخول الاقتصاد في حال ركود وارتفعت الأسعار تبعاً لذلك، وتراجعت القوى الشرائية للمواطنين، هذه الصورة القاتمة والأوضاع المتردية والركود هو ما دخل فيه الاقتصاد السوداني عام 2023، وكل الآمال كانت معلقة بوصول سريع لاتفاق حول عودة مسار الانتقال واستئناف الإصلاحات الاقتصادية والعودة للتعامل مع المجتمع الدولي مجدداً، لكن هذه الآمال تبددت باندلاع الحرب  في 15 أبريل (نيسان) الجاري.

الحصار الاقتصادي

في عام 1993 صنفت الولايات المتحدة الأميركية السودان دولة راعية للإرهاب واتهم نظام عمر البشير بدعم الجماعات الإرهابية المتشددة “تنظيم القاعدة وحماس وحزب الله” ووضعته ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب “STT List”.

في بداية سنوات حكم نظام الحركة الإسلامية كان السودان نقطة ارتكاز للجماعات الإسلامية واستضاف أسامة بن لادن والظواهري وعدداً من قادة الإرهاب والتطرف، هذه الفترة المظلمة من تاريخ السودان كانت لها تداعيات اقتصادية كارثية، في يوليو (تموز) 2014 دان حكم أميركي بنك “بي أن بي باريبا” الفرنسي بالتآمر على قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية الذي يقضي بحظر التعامل المالي مع الدول المصنفة راعية للإرهاب.

وقضت المحاكم بتغريم البنك الفرنسي تسعة مليارات دولار، وكان السودان أحد الدول موضوع المحاكمة، واتهم البنك بأنه أقام شبكة لتسهيل التسويات المالية للحكومة السودانية وشركات تابعة لها، تسبب ذلك الحكم بانسحاب جماعي من البنوك المراسلة لبنك السودان خلال 2014، ودخل السودان واقتصاده في عزلة تضررت منها قطاعات الأعمال المختلفة وارتفعت تكلفة الضمانات البنكية وخطوط الائتمان، ونشأت شبكات من السوق السوداء لتمويل الواردات وتراكمت موارد كبيرة في سوق موازية بعيدة من النظام المصرفي الرسمي في السودان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما فقد بنك السودان المركزي نحو 85 في المئة من البنوك المراسلة بعد معاقبة البنك الفرنسي، وتراجعت تحويلات العاملين في الخارج من ثلاثة مليارات دولار إلى أقل من 100 مليون دولار بعد الحصار الاقتصادي على النظام المصرفي السوداني.

وتدهورت علاقات البنوك المراسلة مع السودان لارتفاع خطر الـ De” Risk” وهي المخاطر التي ترتبط بالمعاملات مع الدول المصنفة ضمن قوائم رعاية الإرهاب، واستمرت هذه المخاطر بعد أن أنهت الولايات المتحدة الأميركية الحصار الاقتصادي في أكتوبر2017، وهو الحصار الذي استمر لمدة 20 عاماً، ولم يستطع السودان الاستفادة من هذا القرار لاستمراره ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب التي خرج منها في ديسمبر (كانون الأول) 2020.

بعدها بدأت الحكومة المدنية خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي وإزالة التشوهات وأجرت إصلاحات هيكلية تكللت باتفاق تاريخي مع مجتمع التنمية الدولية في يونيو (حزيران) 2021، وحصول السودان على فرصة للتخلص من ديون كبيرة بلغت 60 مليار دولار (حينها)، لكن كل هذه المجهودات تبخرت بعد أن تم الانقلاب العسكري على السلطة المدنية الوليدة في 25 أكتوبر 2021.

شبح الانهيار مجدداً

اندلاع الحرب في 15 أبريل الجاري جدد المخاوف بانزلاق الاقتصاد السوداني نحو الانهيار الشامل، تدخل الحرب الآن يومها التاسع وبدأت الدول الأجنبية بإجلاء رعاياها مخافة اتساع رقعة الحرب.

استمرار الحرب سيصيب النشاط الاقتصادي بالشلل، وسيجر البلاد نحو مصير مظلم وأكبر خطراً، بسبب ضياع فرصة إعادة تصحيح مسار الاقتصاد وإزالة التشوهات التي صاحبت فترة العزلة والعقوبات.

هذه الحرب سترفع من أخطار التعامل التجاري مع السودان، وستتسبب في هجرة رؤوس الأموال، كما سيعاني المواطنون من ظروف بالغة التعقيد بعد أن أوقف برنامج الغذاء العالمي برامجه بسببها، ومن المرجح أن تشهد البلاد موجة من الانفلات الأمني تجعل من تدفق السلع للأسواق أمراً بالغ الصعوبة، مما يزيد من مخاوف حدوث مجاعات في بلد كان في دائرة خطر المجاعة قبل اندلاع الحرب.

كل هذه المؤشرات تدل على أن الاقتصاد السوداني مقبل على فترات عصيبة في ظل استمرار هذه الحرب، وقد يبتعد كثير من البنوك من التعامل معه وهذا هو الخطر الأكبر الآن على النظام المصرفي.




Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى