عالمي

تونس تلجأ إلى سلاح التجميد لمواجهة انفلات الأسعار

أمام ارتفاع أسعار السلع والمنتجات الغائية إلى مستويات عالية وخصوصاً الطازجة والغذائية منها لجأت الحكومة التونسية أخيراً إلى “سلاح التجميد”، إذ جمدت أسعار عدد من المنتجات الاستهلاكية في خطوة لوقف انفلات أسعارها وخروجها عن السيطرة.

ويأتي هذا الإجراء الوقائي الجديد في ظل ارتفاع معدلات التضخم وخصوصاً تضخم المواد الغذائية في تونس التي باتت تشهد يومياً تقريباً زيادة جديدة في الأسعار أضرت بالقدرة الاستهلاكية لعموم التونسيين.

وبالتوازي مع حركة ارتفاع الأسعار المتواصلة تسجل البلاد ندرة لافتة في عدد من المواد الغذائية والاستهلاكية على غرار السكر والقهوة والفارينة (نوع من المعجنات يستخدم في صناعة الخبز) والحليب إلى حد مطالبة عدد لا باس به من المواطنين المسؤولين بالزيادة في أسعار هذه المواد شرط توفيرها بالكميات الكافية، والقطع مع حال الندرة المستمرة لأكثر من ثلاثة أعوام تقريباً.

تجميد الأسعار

وفي تلك الأثناء اتخذت وزارة التجارة التونسية منذ بضعة أيام حزمة من القرارات للتحكم في أسعار بعض المنتجات الاستهلاكية تتمثل في تجميد الزيادات في أسعار بعض أصناف المنتجات الاستهلاكية الحرة المتمثلة في المصبرات الغذائية (معجون الطماطم) والبسكويت والحلويات والمشروبات الغازية والعصير ومشتقات الحليب ومواد التنظيف المنزلي ومواد الصحة الجسدية ومواد البناء ودعوة المنتجين والموردين الناشطين في القطاعات المذكورة لموافاة مصالح وزارة التجارة وتنمية الصادرات بهيكلة أسعار الكلفة والبيع والشروط العامة للبيع للتدقيق فيها.

وأيضاً قررت تحديد سقف أقصى لخدمات التعاون التجاري بين الموزعين والمزودين تتراوح بين خمسة و10 في المئة من رقم التعاملات بحسب نظام سعر المنتج، مع تحديد الأسعار القصوى لبيع البيض بـ1.4 دينار (0.45 سنت من الدولار) مع المحافظة على هوامش ربح تجار التوزيع بالجملة والتفصيل في المستويات المعمول بها نفسها.

وقررت أيضاً خفض أسعار بيع مادة حديد البناء بـ14 في المئة ومنع ترويج النوعيات غير المدرجة بالتسعيرة الحالية إلى حين حصول مصنعيها على مصادقة إدارية للأسعار في شأنها.

وبررت وزارة التجارة التونسية قراراتها بدعم القدرة الشرائية للمواطن وخفض الأسعار، أخذاً بعين الاعتبار تطور المعطيات الاقتصادية وهيكلة الكلفة في القطاعات موضوع المتابعة.

ونبهت الوزارة جميع المتدخلين ضرورة احترام الإجراءات الجديدة لمراعاة القدرة الشرائية للمواطن وتفادي كل مظاهر الاحتكار والمضاربة، بما في ذلك الامتناع من تزويد السوق والانحراف بالمسالك القانونية وزيادة الأسعار، إذ تعرض مرتكبيها لأقصى التتبعات القانونية.

خطوة مهمة

من جانبه اعتبر أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسي وعضو المجلس التوجيهي للمعهد الوطني للاستهلاك (حكومي)

معز السوسي أن “الاقتصاد التونسي لم يصل بعد إلى مرحلة تمكنه من عرض وبيع السلع بنظام السوق الحر وتقضي بتسعير المنتجات وفقاً لقوى السوق من دون تدخل الدولة”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح السوسي لـ “اندبندنت عربية” أن “نسب التضخم في تونس سجلت في نهاية عام 2022 مستويات قياسية، إذ وصلت للمرة الأولى إلى 10 في المئة”، لافتاً إلى أن “الإجراءات الجديدة أسهمت بصورة ملحوظة في تقليص نسبة التضخم”، مستدركاً “لكن على مستوى بعض المواد الاستهلاكية وخصوصاً الغذائية منها، بينما السلع الحرة ظلت مرتفعة”.

وقال السوسي إن تونس تعيش حالاً من انفلات الأسعار غير مبررة، مفنداً تبريرات التجار الذين يعتقدون أن الزيادة اللافتة في الأسعار تعود إلى ارتفاع كلفة مدخلات الإنتاج وارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، ومشيراً إلى أن تلك المبررات غير صحيحة إذ إن التقارير العالمية كافة تشير إلى تراجع أسعار المواد الأولية في مختلف الأسواق العالمية.

التضخم لا يزال مقلقاً

وعلى رغم مواصلة منحنى التضخم العام الهبوط حتى 8.3 في المئة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مقابل 8.6 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلا أن أسعار المواد الغذائية لم تهدأ وظلت مرتفعة.

ووفق ما أفصحت عنه بيانات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) فقد بلغت نسبة تضخم أسعار مجموعة المواد الغذائية زيادة في حدود 12 في المئة وارتفاع أسعار مجموعة الأثاث والتجهيزات والخدمات المنزلية بنسبة 8.1 في المئة.

ويعود ارتفاع أسعار المواد الغذائية 11.9 في المئة إلى زيادة أسعار القهوة 35 في المئة وأسعار الزيوت الغذائية 29 في المئة وأسعار لحم الضأن 28 في المئة وأسعار لحم البقر 17.1 في المئة وأسعار الغلال الطازجة 14.1 في المئة.

وفي غضون ذلك شهدت أسعار المواد المصنعة لشهر نوفمبر 2023 ارتفاعاً بـ 7.4 في المئة باحتساب الانزلاق السنوي، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار مواد البناء 5.8 في المئة والملابس والاحذية 9.7 في المئة ومواد التنظيف ثمانية في المئة.

وشهدت أسعار الخدمات ارتفاعاً بـ 6.3 في المئة، ويرجع ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار خدمات المطاعم والمقاهي والفنادق 10.7 في المئة، وأسعار خدمات النقل العام والخاص 14.4 في المئة، وأسعار الخدمات المالية 13.3 في المئة وخدمات التأمين  5.1 في المئة.

يشار إلى أن البنك المركزي التونسي توقع أن تنهي تونس العام الحالي ونسبة التضخم عند 9.4 في المئة وتضخم المواد الطازجة بنحو 17.2 في المئة وتضخم المواد المؤطرة في حدود 5.7 في المئة.

توفير بيئة منافسة سليمة

وتعليقاً على قرارات وزارة التجارة التونسية وتجميد هامش ربح أسعار عدد من المنتجات وصف معز السوسي تلك الخطوة بالإيجابية، مضيفاً “تعد أحد أسلحة الوزارة في مكافحة تضخم أسعار المواد الاستهلاكية وخصوصاً المواد الغذائية التي لم ينطفئ لهيبها بعد”.

وفي المقابل حذر السوسي من أن تلك الإجراءات قد تكون لها نتائج عكسية إذا لم ترتكز إلى معطيات علمية وموضوعية، مستشهداً بقرار وزارة التجارة عندما حددت سعر كيلو الموز في أسواق التفصيل بخمسة دنانير (1.6 دولار) مما ألهب السوق الموازية ليرتفع سعر هذا المنتج المورد إلى 15 ديناراً (4.8 دولار).

ويعتقد أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية أنه بالتوازي مع اتخاذ الإجراءات الضرورية والعقلانية لتحديد هوامش ربح أسعار المواد الاستهلاكية يجب توفير بيئة منافسة سليمة في المشهد التجاري، قائمة على الشفافية ونزاهة التعاملات التجارية.

واقترح مد مجلس المنافسة التونسي (هيئة قضائية اقتصادية وتعديلية مستقلة) بالوسائل اللوجيستية والموارد البشرية الضرورية حتى يؤدي دوره على أكمل وجه، ويسهم من موقعه في فرض مناخ المنافسة المرجو.

كما أوصى السوسي أن تحدد هوامش أرباح المنتجات الاستهلاكية، وخصوصاً الغذائية منها، بنسب معقولة قابلة للتطبيق على أرض الواقع تجنباً لنتائج عكسية غير محمودة.

وجدد دعوته إلى تأهيل مسالك التوزيع التي يراها من أهم الحلول الناجعة والعاجلة للإسهام في إيصال المنتجات الغذائية الطازجة إلى الأسواق قبل تحولها وجهتها إلى الأسواق السوداء.

حل ظرفي

من جانبه يعتقد المتخصص في الشأن الاقتصادي قرارات أحمد الكرم أن تجميد وزارة التجارة أسعار عدد من المنتجات يعد أمراً ظرفياً وليس حلاً جذرياً، مشدداً على أن الحل الأفضل والأقوى تأثيراً هو دعم الإنتاج لتحقيق المعادلة المختلة إلى الآن للوصول إلى حال التوازن بين العرض والطلب.

من جهته قال رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة) لطفي الرياحي لـ “اندبندنت عربية ” إن الإجراءات التي اتخذتها وزارة التجارة تمس المستهلك مباشرة وتأتي قبل دخول مشروع قانون المالية لسنة 2024 حيز التطبيق، موضحاً أن الوزارة طلبت صراحة أسعار كلفة الإنتاج والشروط العامة للبيع ومن بينها الهامش الخلفي للبيع، وكيفية تحديد السعر ومعرفة هيكلة السعر لكل منتج.

 ودعا الرياحي إلى ضرورة مراجعة هوامش ربح المساحات والفضاءات التجارية الكبرى قائلاً إنها “تحقق أرباحاً طائلة على حساب القدرة الشرائية لعموم التونسيين”.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى