تونس تستهدف الاستجابة لمعايير أوروبا “الكربونية” تفاديا للخسائر
ينتظر أن تلتزم المؤسسات الصناعية التونسية المصدرة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي بمعايير بيئية جديدة تتعلق بالتزام سقف معين من الانبعاثات الكربونية أو ما يحدد بـ”البصمة الكربونية” حتى تتمكن من اقتحام السوق الأوروبية وتفادي الأداءات التي سيتم تحديدها في صورة عدم الانخراط في هذا المسار.
وبناءً على ذلك، يتحتم على المصنعين التونسيين العمل على الحد من انبعاثات الكربون من خلال الانتقال إلى مصادر الطاقة البديلة، وأهمها الطاقة الشمسية. وأطلقت تونس في هذا المضمار استراتيجية متكاملة لتحفيز الانتقال الطاقي لدى المؤسسات، وتشمل مشروع الإنتاج الذاتي للكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية، ويهم الأسر التونسية والمؤسسات على حد سواء، ويشمل الضغط المتوسط والمنخفض للطاقة، على أن يتماشى مع إسهامات البلاد المحددة بهدف الحد من انبعاثات الكربون من خلال الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتكمن أهمية قياس معدلات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون التي يستدل منها على مدى المساهمة السلبية في التدهور البيئي، وهو ما يسمى “البصمة الكربونية”، وهو مؤشر يتم من خلاله التعبير عن كمية انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة من حرق الوقود الأحفوري التقليدي المستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية والنشاطات الصناعية، وسيتم استخدام “البصمة الكربونية” على مستويات عدة للتعبير عن معدلات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون على مستوى المؤسسات وعملية إنتاج منتج معين، وغالباً ما يعبر عنها بوحدة الطن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في السنة عن طريق “البصمة الكربونية”، وسيقع قياس الانبعاثات المباشرة لغاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة من حرق الوقود الأحفوري، والتي تتمثل في استهلاك للطاقة الكهربائية في الإنتاج الصناعي، ومن خلال هذه البصمة يكون السعي إلى التحكم في كمية الانبعاثات، فالانبعاثات غير المباشرة لغاز ثاني أكسيد الكربون ناتجة من عمليات التصنيع المذكورة.
وتعتبر دول الاتحاد الأوروبي والمجموعة الدولية المنخرطة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ أنه كلما زاد شراء هذه المنتجات زادت كمية الانبعاثات، وللحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بالتالي التقليل من “البصمة الكربونية” يتوجب البحث عن مصادر للطاقة البديلة.
أداءات مرتفعة لغير الملتزمين
وفي هذا الإطار، انطلقت تونس في سياسة استباقية لتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة في الأنشطة الصناعية من أجل خفض كثافة الكربون بنسبة 41 في المئة عام 2030 مقارنة بعام 2010، حيث إن قطاع الطاقة يمثل وحده 75 في المئة من تخفيضات الانبعاثات. ومن المتوقع أن يقلل قطاع الطاقة من كثافة الكربون عام 2030 بنسبة 46 في المئة مقارنة مع عام 2010، كجزء من سياسة نقل الطاقة التي تدعو إليها الدولة. وفي سعيها إلى الحفاظ على تنافسية المنتجات التونسية تستعد المؤسسات الصناعية التونسية للاستجابة لمقاييس “البصمة الكربونية” المحددة من قبل دول الاتحاد الأوروبي بحكم أنها الوجهة الأولى للصادرات التونسية وحتى تحافظ على تموقعها بهذه الأسواق.
وكشف المدير العام للكهرباء والانتقال الطاقي بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة بلحسن شيبوب عن أنه يتحتم على المؤسسات التونسية الراغبة في تصدير منتجاتها إلى الاتحاد الأوروبي أن تعتمد المعايير البيئية الجديدة المعتمدة من قبل بلدان منطقة اليورو، والمتمثلة في “البصمة الكربونية” ومقاييسها، وأن تعزيز تنافسية المنتجات التونسية يمر عبر اعتماد المصنعين للطاقات البديلة حتى يقع ضمان التخفيض في انبعاثات الغازات الدفيئة، بالتالي التزام معايير “البصمة الكربونية” المحددة انطلاقاً من مدى اعتماد إنتاج الكهرباء، انطلاقاً من حرق الوقود الأحفوري. وبناءً على ذلك، أضحى تركيز مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقة البديلة أمراً ضرورياً ولا مفر منه، وفق عبارة شيبوب الذي أشار إلى أن وزارة الصناعة والمناجم والطاقة في تونس أطلقت برنامجاً متكاملاً للإنتاج الذاتي للكهرباء لدى المؤسسات يأتي في هذا الإطار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وستعمل المؤسسات الصناعية على تركيز محطات فوطوضوئية في مساحات واقعة بمراكز الإنتاج لديها وتوليد الكهرباء الموجه لاستهلاكها، وهو ما انطلق فيه عديد من المؤسسات التونسية فعلياً منذ سنوات، وهي تنتج جزءاً من استهلاكها من الكهرباء على المكان عينه، وتعمل على القيام بتعزيز هذه المشاريع لتحقيق الاكتفاء الذاتي الطاقي، وتضمن بذلك الحفاظ على تنافسية سلعها بالأسواق الأوروبية، ثم انخراطها في الاستراتيجية الوطنية للتخفيض من كلفة الطاقة والضغط على العجز في الميزان الطاقي الذي بلغ 50 في المئة عام 2022 مقارنة بـ10 في المئة عام 2010 بمخصصات قدرها ثمانية مليارات دينار (2.6 مليار دولار) لميزانية الطاقة، وارتفاع كلفة الدعم إلى خمسة مليارات دينار (1.6 مليار دولار) عام 2022.
محتوى الكربون
وأشارت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي، بدورها، إلى تقديم التنقيحات الجديدة للأمر (القانون) المنظم لصندوق الانتقال الطاقي (حكومي)، وأن استراتيجية الوزارة تقوم على الأخذ، بالاعتبار عينه، كل ما هو بيئي واقتصادي واجتماعي في كل برامجها، داعية المؤسسات التونسية إلى ضرورة الانخراط في هذا المسار حفاظاً على ديمومتها وتطويراً لقدرتها التنافسية، وبخاصة ملاءمتها للتطورات التي تشهدها السوق، ويتحدث العالم عن ضريبة تفرض على محتوى الكربون في الوقود، وأن الوزارة تعد برنامجاً للتأهيل الصناعي للحد من انبعاث الكربون، وتقتضي القدرة التنافسية للمؤسسات أن يكون لها بعد في إطار تطوير نجاعتها الطاقية وأساليبها الصناعية، وفق تعبير الوزيرة.
غياب المرونة
المستشار في مجال الطاقة لدى البنك الدولي والمدير العام السابق للوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة (حكومية) عز الدين خلف الله ذكر أن معايير دول الاتحاد الأوروبي الخاصة بـ”البصمة الكربونية” سينطلق العمل بها عام 2026، وإن لم يتم تحديد حجم الأداءات. وفي انتظار ذلك يتحتم على المؤسسات التونسية التهيؤ لذلك، لأنها لن تتمكن من دخول السوق الأوروبية من دون التمتع بالمواصفات المطابقة للشروط البيئية الأوروبية بخصوص “البصمة الكربونية”، وسيقع التثبت من قبل البلدان الموردة من مصدر الطاقة المستعملة عند عملية تصنيع المنتجات الموردة، وفرض أداء على المتجاوزين لسقف معين من الطاقة التقليدية المستمدة من الوقود الأحفوري في ذلك، كما ينتظر أن تعتمد تونس الأداء على “البصمة الكربونية” في فترة مقبلة لم تحدد بعد، وتفرض على السلع التونسية عند التصدير، وفي حال اعتمادها في البلاد، فإن المصدرين يكتفون بالتزامه على الأراضي التونسية فحسب، مع العلم أنه يتم تحديدها بعد، بينما الثابت أن مداخيل هذه الأداءات ستخصص لتمويل صندوق الانتقال الطاقي الممول لمشاريع الطاقات المتجددة، وقد بلغت مداخيله 630 مليون دينار (205.2 مليون دولار) في الفترة الفاصلة بين عامي 2006 و2022، وهي متأتية بدورها من جملة من الأداءات.
في الأثناء ذاتها، يتوجب على المصنعين الاستعداد لتطبيق هذه المعاملات المستحدثة من الاتحاد الأوروبي، علماً أن نحو 50 مؤسسة تونسية ركزت على مشاريع الطاقة الشمسية لديها لتحقيق الإنتاج الذاتي من الكهرباء من جملة 300 مؤسسة حصلت على الترخيص، في حين يفضل تكثيف الحوافز لدى هؤلاء للاستجابة للمقاييس الجديدة، إذ تتقيد هذه المؤسسات المنتجة لاستهلاكها الذاتي من الكهرباء بنصوص قانونية تعوق توسيع مساحة استغلالها لإنتاجها مثل سقف بيع الفائض من الإنتاج من الكهرباء الذي لا يتجاوز 30 في المئة، والجهة المقتنية، وهي الشركة التونسية للكهرباء والغاز فحسب، ومنع مده إلى وحدات صناعية خاصة، فالنصوص القانونية المنظمة للإنتاج الذاتي للكهرباء تخلو من المرونة اللازمة لتحفيز هذا الانخراط في استراتيجية كبرى ترتبط بتحقيق رهان وطني يتعلق بالأمن الطاقي والاستجابة لاستحقاقات مناخية وبيئية ملحة.