مقالات

تناقضات أكبر اقتصاد .. لا اتفاق

في آخر تقاريره، يقدم صندوق النقد الدولي صورة ضبابية عن حالة مؤشرات الاقتصاد العالمي، ولم يخف عودة الصين بقوة عقب تخليها عن خطة “الصفر” في مواجهة انتشار إصابات كورونا، ورفعها الاحترازات تمهيدا لعودتها إلى الاقتصاد العالمي.

فقد تنبأ تقرير آفاق الاقتصاد العالمي بأن ينخفض النمو العالمي من 3.4 في المائة في 2022 حسب التقديرات إلى 2.9 في المائة في 2023 ثم يرتفع إلى 3.1 في 2024. وهذا معناه أن نمو الاقتصاد العالمي أقل من المتوسط التاريخي البالغ 3.8 في المائة من “2000 – 2019″، كما أن التوقعات بانخفاض التضخم العالمي من 8.8 في المائة في 2022 إلى 6.6 في المائة في 2023 و4.3 في 2024، أي أعلى من مستويات ما قبل الجائحة من “2017 – 2019” بنحو 3.5 في المائة، عبارات ليست جيدة على كل حال.

فالاقتصاد العالمي لم يتحسن بالشكل الذي يمكن القول عنه تحسنا، لكنه في أفضل الحالات قد بدأ يتعافى على الأقل، فهو في حالة بين حالتين: ليست تفاؤلا ولا إحباطا، هناك أمل وهناك قلق وترقب، فالمشكلات التي أدت إلى بلوغ الاقتصاد الحالة الراهنة لم تزل فاعلة وموجودة ولم تتم معالجتها بدقة، وهذا ينطبق تماما على الحالة الأمريكية التي تبدو أكثر غموضا، وأقل تفاؤلا رغم كل الجهود التي تبذلها الحكومة الأمريكية لمعالجة مكامن التضخم هناك.

لكن صندوق النقد الدولي يتوقع في تقريره الذي نشره في كانون الثاني ( يناير) الماضي أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بنحو 2 المائة في 2022، ثم 1.4 في 2023 و1 في المائة فقط في 2024، فهو نمو أشبه بالركود، والانزلاق إلى الركود سهل للغاية، فيما لو فشلت خطط الرئيس بايدن في تحقيق مستهدفاتها.

ولهذا أجرت صحيفة “واشنطن بوست” بالاشتراك مع “إيه بي سي نيوز” استطلاعا للرأي بشأن قدرة الحكومة على إنقاذ الاقتصاد الأمريكي، وجاءت نتائج الاستبيان التي نشرتها “الاقتصادية” تؤكد أن الأغلبية الساحقة “62 في المائة” ترى أن إدارة بايدن أخفقت في تحقيق أهدافها الاقتصادية، الأكثر خطورة بالنسبة إلى البيت الأبيض وأن 22 في المائة من الديمقراطيين لديهم القناعة نفسها، وأن وجهة النظر تلك لن تتغير من الآن حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهذا على الرغم من أن المشاركين لم يتجاهلوا تقدير ما أنجز، لكن تم اعتباره قليلا مقارنة بما تم الوعد به، وما يأمله الناخبون هناك.

فالإدارة الأمريكية عملت على تطوير شبكة الطرق والجسور ومشاريع البنية التحتية الأخرى وضخت 550 مليار دولار في هذا الجانب، كما وجهت 280 مليار دولار للاستثمار في التصنيع عالي التقنية، خاصة في مجال الرقائق الإلكترونية التي تمثل الصراع التكنولوجي الأبرز حاليا بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى 400 مليون دولار في مجال تقنيات الطاقة الخضراء، وتم إيجاد 517 ألف وظيفة في كانون الثاني (يناير) الماضي متجاوزة بذلك توقعات الاقتصاديين.

لا شك أن هذه نقاط بيضاء في طريق يعج بالضباب، وهو الأمر الذي استطلعت “الاقتصادية” الآراء بشأنه، حيث هناك إيجابيات كما تشير الأرقام والبيانات، ومع ذلك فإن الحكم العام في الاستطلاع جاء سلبيا في أغلبه.

ويرى أستاذ اقتصاد دولي في جامعة لندن، أن هناك عديدا من مكامن الخلل في تلك البيانات، فالتوظيف في كانون الثاني (يناير) انخفض فعليا بمقدار 2.5 مليون عامل عندما لم يتم تعديل بيانات التوظيف الموسمي، أما نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من 2022، فيعود إلى الزيادة الكبيرة في المخزون، ما يجعل الاقتصاد يبدو كما لو كان يتوسع بشكل أسرع مما هو عليه في الواقع، ويعتقد مختصون أن الاقتصاد الأمريكي وفي أفضل تقدير نما بأقل من 1 في المائة، وكأن هذا يشير إلى أن البيانات التي تمت الإشارة إليها وكأنها تحسن في الأساس مشكلتها في تفسير البيانات، واستخدام الأرقام بطريقة تعزز الرأي، دون الحكم على الأرقام في سياقاتها الاقتصادية الصحيحة، ولهذا يرى خبير مصرفي في بنك إنجلترا أن هناك إدراكا أوسع بأن جدول أعمال الرئيس بايدن بإعادة بناء الاقتصاد الأمريكي، كان مبالغا فيها، ولا يوجد دعم حقيقي لها، وأن “حالة الانقسام الراهن في الرؤية الاقتصادية بين الديمقراطيين والجمهوريين حادة للغاية، وتعوق عمليا أي إمكانية للتعاون، وتلك الأرقام على إيجابيتها لا تخفي أن الاقتصاد الأمريكي يمر بأزمة داخلية تعود إلى مجموعة من التناقضات التي لم تفلح الإدارات الأمريكية المتعاقبة في حلها.

واتفق استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة “واشنطن بوست” مع الاستطلاع الذي أجرته “الاقتصادية” بشأن حالة الاقتصاد الأمريكي، وأنه رغم الأرقام التي تنشرها حكومة بايدن التي تعدها نجاحا كبيرا، إلا أن الاقتصاد بشكل عام لم يتحسن كما كانت الوعود تقطع بذلك، ولعل المشكلة الاقتصادية أعمق بكثير مما كان يعتقد، ولذلك لا يتوافر حد أدنى من الاتفاق حول الحلول واجبة التنفيذ، وهذا ما جعل عديدا من القوى لا تقبل البرنامج الاقتصادي للرئيس بايدن، وتحول دون تنفيذه على أرض الواقع.


Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى