عالمي

المعادن البيضاء تتوهج في سماء الأسواق العالمية

في عالم يضج بالاضطرابات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية واتجاه أنظار مستثمري العالم نحو الملاذات التقليدية الآمنة وخصوصاً الذهب، برزت المعادن البيضاء (الفضة والبلاتين) كأبطال غير متوقعين في مشهد أسواق المعادن العالمية لعام 2025، ليتأكد أن هذا التحول ليس مجرد طفرة عابرة، بل هو انعكاس لتحولات هيكلية عميقة في موازين العرض والطلب، دفعت بهذه المعادن التي كثيراً ما كانت “منسية” إلى واجهة السباق الاستثماري.

صعود تاريخي

إلى ذلك، شهد عام 2025 انطلاقة قوية لأسعار المعادن الثمينة، فبينما حافظ الذهب على مكانته كملاذ تقليدي محققاً مكاسب كبيرة منذ بداية العام، وشهد استقراراً نسبياً على المستويين الشهري والأسبوعي، مدعوماً بمشتريات البنوك المركزية والتوترات الجيوسياسية، إلا أن الفضة والبلاتين تفوقاً عليه في الزخم التصاعدي.

وقفزت أسعار الفضة منذ بداية العام بأكثر من 30 في المئة لتسجل أعلى مستوياتها منذ عام 2012، مدفوعة بنقص المعروض وارتفاع الطلب في الصناعات الإلكترونية والخلايا الشمسية، أما البلاتين فقفز بنسبة تقارب 25 في المئة مع تصاعد المخاوف في شأن إمدادات جنوب أفريقيا، المنتج الأكبر عالمياً، في ظل استمرار أزمة الطاقة التي تضرب البلاد.

بداية فصل جديد

وقال محللو أسواق مال، في تصريحات إلى “اندبندنت عربية”، إن المعادن البيضاء بما في ذلك الفضة والبلاتين، صعدت بقوة مدعومة بأزمات عرض خانقة وطلب صناعي متنام خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، لتعلن بداية فصل جديد في مسيرة المعادن النفيسة.

وأكدوا أنها رحلة بحث عن بدائل استثمارية حقيقية في عالم يزداد اضطراباً، إذ بدأت المؤسسات المالية وصناديق الثروة السيادية توجه أنظارها بعيداً من الذهب، نحو أصول تملك القوة الكامنة للارتفاع في زمن تتداخل فيه المصالح الاقتصادية بالتحولات التكنولوجية المتسارعة والتوجه نحو الطاقة المتجددة.

وأوضحوا أن هذا الزخم الذي تشهده أسعار الفضة والبلاتين لم يكن وليد اللحظة، بل جاء مدفوعاً بتلاقي عدد من العوامل الاقتصادية والصناعية والجيوسياسية التي خلقت بيئة استثنائية للمعادن البيضاء لتتخطى الذهب في الأداء والنمو.

وأضافوا أن تحركات البنوك المركزية والمؤسسات المالية الكبرى لعبت دوراً مهماً في تعزيز هذا الاتجاه، مما أدى إلى استقطاب سيولة جديدة إلى هذه الأسواق، في ظل تراجع شهية المخاطرة في أسواق الأسهم والعملات الرقمية.

أصول بديلة

بدوره، قال المستشار الاقتصادي ومحلل الأسواق العالمية علي حمودي، إن “المعادن البيضاء أصبحت الآن بمثابة الأصول البديلة المفضلة لدى المؤسسات المالية الكبرى، بعد موجات الاضطراب في أسواق الأسهم والعملات المشفرة”، مشيراً إلى أن “عجز المعروض العالمي من الفضة تحديداً قد يستمر حتى نهاية 2026، مما يدعم استمرار الاتجاه الصاعد”.

ويرى حمودي أن “الخفض المتوقع للفائدة العالمية سيخفض من كلفة التحوز في الفضة والبلاتين”، مشيراً إلى أن “المعادن التي لا تدر عائداً مباشراً تصبح أكثر جاذبية في مثل هذه الظروف”، مشدداً على أن “التوترات الجيوسياسية تلعب دوراً مزدوجاً، فهي تحفز القدرة الشرائية نحو المعادن النفيسة وتخفض الحركة الرأسمالية في البدائل ذات الأخطار الأعلى، مما يعزز الطلب على الأصول الواقعية والسيولة”.

ويؤكد حمودي أن الأداء الفني للفضة والبلاتين، وقدرتهما على كسر نقاط مقاومة حرجة، يدل على مرحلة أكاديمية من تحرك الأسواق، تتجاوز الدوافع العرضية العارضة، لافتاً إلى أن هذه المعادن بدأت تلقى قبولاً أكبر في صناديق الثروة السيادية والبنوك المركزية، خصوصاً تلك التي تتجه بعيداً من الاعتماد الكامل على الدولار، مما يعزز مكانتها كملاذ ثان بجانب الذهب.

مستثمرون جدد

على الصعيد ذاته، أوضح رئيس أكاديمية “تريدر” الأميركية عمرو عبده أن “الفضة استفادت من دخول مستثمرين جدد إلى السوق عبر صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs)”، لافتاً إلى أن “هذه التدفقات عززت من صعود الأسعار، وجعلتها أكثر استقراراً نسبياً مقارنة بفترات سابقة”.

أكد أن “الطلب الصناعي هو المحرك الأساس لهذا الصعود”، موضحاً “الفضة تستخدم بصورة مكثفة في صناعة الألواح الشمسية، بينما يظل البلاتين لا غنى عنه في المحولات الحفازة للسيارات”، مضيفاً أن “توقعات استمرار العجز في المعروض من الفضة للعام الخامس على التوالي، إلى جانب نقص البلاتين، تشكل دعماً هيكلياً للأسعار”.

مكون أساس

وقال المستشار المالي محمود عطا إن “المستثمرين الكبار باتوا يعتبرون الفضة الآن مكوناً أساسياً في محافظهم، في ظل الحاجة إلى التحوط من التضخم والأخطار الجيوسياسية”، مشدداً على أن “استمرار هذا الاتجاه مرهون بمستوى العجز في الإمدادات العالمية خلال النصف الثاني من العام”.

وأوضح أنه “في ظل المخاوف من تآكل القيمة الشرائية للعملات، تتجه الأنظار نحو الفضة والبلاتين كأصول مادية تحافظ على القيمة”، مشيراً إلى أن “التدفقات القوية نحو صناديق الاستثمار المتداولة في هذه المعادن تؤكد ثقة المستثمرين في آفاقها الإيجابية”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبه، شدد مستشار الأسواق العالمي محمد مهدي عبدالنبي على أن “الفضة على وجه الخصوص أصبحت ملاذاً صناعياً واستثمارياً مزدوجاً، وسط تزايد استخدامها في التكنولوجيا الحديثة والطاقة المتجددة”.

وسلط الضوء على دور البنوك المركزية، قائلاً “استمرار البنوك المركزية، خصوصاً البنك المركزي الصيني، في تعزيز احتياطاتها من الذهب يرسل إشارات إيجابية لسوق المعادن النفيسة بأكمله”.

وأضاف أن “التوجه نحو تنويع الاحتياطات بعيداً من الدولار، يعزز من جاذبية الفضة والبلاتين كأصول استثمارية مكملة”.

عوامل تقنية

من جهته، أكد المستشار الاقتصادي والمالي في مجموعة “الحملي وشركاه” السعودية حسام الغايش أن “العوامل التقنية أيضاً تدعم موجة الصعود الحالية”، مشيراً إلى أن “الفضة كسرت مستويات مقاومة تاريخية، مما دفع مزيداً من السيولة إلى الدخول في السوق، مع احتمالات بتسجيل مستويات تاريخية جديدة إذا استمرت الظروف الحالية”.

توقعات المؤسسات العالمية

تشير التوقعات الصادرة عن مؤسسات بحثية عالمية وبيانات حديثة إلى مشهد متزايد التعقيد في أسواق المعادن النفيسة، إذ تبرز الفضة والبلاتين كقوى صاعدة مدفوعة بعوامل هيكلية واستثمارية.

فعلى صعيد الفضة، أشار معهد الفضة “SilverInstitute”، ضمن تقرير “المسح العالمي للفضة” السنوي، إلى تراجع الإنتاج العالمي للمرة الخامسة على التوالي. يتزامن هذا التراجع في المعروض مع نمو صناعي ثابت عند نحو 680 مليون أوقية للعامين 2024 و2025، مما يؤشر إلى ضغوط محتملة على المعروض في ظل الطلب المتزايد.

وفي سياق متصل، أشار محللو “بنك أوف أميركا” عبر شبكة “بلومبيرغ” إلى أن أداء الفضة، التي سجلت ارتفاعاً بنحو 25 في المئة، والبلاتين، الذي قفز بنسبة 29 في المئة، فاق أداء الذهب خلال الفترة الأخيرة، هذا التفوق، وفقاً لهؤلاء الخبراء، يعكس تحولاً استراتيجياً في اهتمامات المستثمرين، الذين باتوا ينظرون إلى هذه المعادن ليس فحسب كملاذات آمنة، بل كأصول ذات إمكانات نمو قوية مدفوعة بالطلب الصناعي والتوقعات الاقتصادية.

وأما بالنسبة إلى البلاتين، ففي تحليل مشترك لـ”جونسون ماثي” و”مجلس البلاتين العالمي “WPIC”، نقلته وكالات الأنباء العالمية مثل “رويترز” و”بلومبيرغ”، يتوقع الخبراء عجزاً هيكلياً في سوق البلاتين لعام 2025، هذا العجز، الذي يتراوح ما بين 848 و995 ألف أوقية، يعزى بصورة رئيسة إلى تراجع الإنتاج العالمي، مصحوباً بزيادة في الاستهلاك مدعومة بصورة خاصة من نمو قطاع السيارات الهجينة الذي يستخدم البلاتين في محولاته الحفازة.

على الصعيد ذاته أيضاً، أكدت تحليل حديث صادر من شركة “ميتالز فوكاس”، أن البلاتين قد يواصل صعوده ليصل إلى مستويات تتراوح ما بين 1200 و1300 دولار للأوقية.

وعلى رغم الإشارة إلى وجود مخزون احتياط للمعدن، إلا أنها ترى أن الزخم الفني القوي الذي تشهده السوق حالياً قد يدفع السعر نحو مستويات غير مسبوقة، مدعوماً بتزايد شهية المستثمرين.

آفاق المستقبل

إلى ذلك تظل أسعار الفضة عالمياً مدعومة بقوة من الطلب الصناعي والتحولات التكنولوجية، مع فرص للوصول إلى أعلى مستوياتها منذ 2011 إذا استمرت أزمة العرض، أما البلاتين فهو في قلب أزمة الإمدادات من جنوب أفريقيا، مع احتمالات استمرار الصعود إذا استمرت التوترات الجيوسياسية هناك.

في غضون ذلك فإن الذهب وعلى رغم أنه ما زال الملاذ التقليدي، إلا أن الفضة والبلاتين باتا ينافسان بقوة المعدن الأصفر على استقطاب السيولة والمؤسسات الكبرى.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى