الصين تراهن على صورة تجارية “وردية” في 2024 بدعم قطاع الإلكترونيات
على رغم الأخطار التي تحاصر الاقتصاد الصيني، إلا أن المكتب الوطني للإحصاء كشف في بيان حديث عن أن القطاع نما بنسبة 4.9 في المئة خلال الربع الثالث مقارنة بالعام الماضي، وكان هذا الرقم أعلى من تقديرات النمو البالغة 4.4 في المئة في استطلاع أجرته وكالة “رويترز” لآراء الاقتصاديين.
وعلى أساس ربع سنوي صعد الاقتصاد بنسبة 1.3 في المئة خلال الفترة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول) الماضي، مقارنة بنمو بنسبة 0.8 في المئة خلال الأشهر الثلاثة السابقة.
وفي الوقت نفسه يعزز الركود التجاري الآخذ في الضيق في الصين احتمالات التعافي، لكن التحديات لا تزال قائمة، إذ أظهرت بيانات جمركية حديثة أن صادرات الصين ووارداتها انكمشت بوتيرة أبطأ للشهر الثاني على التوالي في سبتمبر الماضي، مما يزيد من المؤشرات الأخيرة على استقرار تدريجي في ثاني أكبر اقتصاد في العالم بفضل مجموعة من إجراءات دعم السياسات.
ويجب أن يقدم التقرير التجاري بعض التشجيع للسلطات، على رغم استمرار التحديات الصعبة في الاقتصاد الذي يواجه ضغوطاً انكماشية مستمرة وأزمة عقارية طويلة الأمد وتباطؤ النمو العالمي والتوترات الجيوسياسية.
إلى ذلك انخفضت الشحنات الصادرة في سبتمبر الماضي بنسبة 6.2 في المئة عنها قبل عام، بعد تراجعها بنحو 8.8 في المئة خلال شهر أغسطس (آب)، متجاوزة توقعات الاقتصاديين لهبوط 7.6 في المئة في استطلاع أجرته “رويترز”.
ودعمت هذه الأرقام بطلبات التصدير الجديدة في مسح رسمي للمصانع قبل أسبوعين الذي أظهر تحسناً خلال الشهر الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى ذروة موسم شحن الصادرات لمنتجات عيد الميلاد والتأثيرات الأساسية الإيجابية.
وتعليقاً على ذلك، قال كبير الاقتصاديين في وحدة الاستخبارات الاقتصادية شو تيانشين،”هناك أدلة متزايدة على أن التحسن الدوري في قطاع الإلكترونيات العالمي يؤدي إلى وصول التجارة العالمية إلى أدنى مستوياتها، وبيانات التجارة الصينية هي أحدث علامة”، مضيفاً “هذا يعطي سبباً للتفاؤل في شأن صورة تجارية أكثر وردية عام 2024”.
في الوقت نفسه انخفضت صادرات كوريا الجنوبية إلى الصين، وهو مؤشر رئيس لواردات الصين، بأبطأ وتيرة لها منذ 11 شهراً في سبتمبر2023، وتشكل أشباه الموصلات الجزء الأكبر من تجارتها، مما يشير إلى تحسن شهية الشركات المصنعة الصينية للمكونات لإعادة تصديرها في السلع تامة الصنع.
كما سجلت أنشطة التجارة العالمية، ممثلة بمؤشر البلطيق الجاف، نمواً ملحوظاً في سبتمبر الماضي.
ومع ذلك، قال المتحدث باسم الإدارة العامة للجمارك لف داليانغ إن التجارة الصينية لا تزال تواجه بيئة خارجية معقدة وشديدة.
وبفضل الانتعاش التدريجي في الطلب المحلي، انخفضت الواردات أيضاً بوتيرة أبطأ بنسبة 6.2 في المئة، فاقت توقعات التراجع بنسبة ستة في المئة في الاستطلاع، لكنها جاءت أفضل من انكماش بنسبة 7.3 في المئة خلال شهر أغسطس الماضي.
وأدى ذلك إلى تحقيق فائض تجاري أوسع نطاقاً قدره 77.71 مليار دولار الشهر الماضي، مقارنة بفائض متوقع في الاستطلاع قدره 70 مليار دولار و68.36 مليار دولار في أغسطس 2023.
بكين تواصل إعلان إجراءات لدعم التعافي
بصورة عامة، يقول الاقتصاديون إنه من السابق لأوانه تحديد مدى نمو الطلب المحلي خلال الأشهر المقبلة، إذ إن قطاع العقارات الذي تضرر من الأزمة والشكوك في التوظيف ونمو دخل الأسر، فضلاً عن ضعف الثقة بين بعض الشركات الخاصة، تشكل أخطاراً على تحقيق انتعاش اقتصادي دائم.
وبدأ الاقتصاد البالغ حجمه 18 تريليون دولار يفقد قوته منذ الربع الثاني من العام الحالي عقب انتعاش قصير بعد “كوفيد”، مما دفع صناع السياسات إلى طرح إجراءات عدة لدعم التعافي في مواجهة تباطؤ سوق الإسكان وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وتزايد ضغوط سداد الديون المحلية.
وأظهرت بيانات حديثة للتضخم، تعثر أسعار المستهلكين في الصين وتقلص أسعار باب المصنع بشكل أسرع قليلاً من المتوقع الشهر الماضي مقارنة بالعام السابق، مما يشير إلى استمرار الضغوط الانكماشية في الاقتصاد، ومع ذلك يمكن للسلطات أن تشعر ببعض الارتياح من البيانات الأخيرة بما في ذلك نشاط المصانع المتفائل ومبيعات التجزئة، بينما ارتفع السفر خلال عطلة الأسبوع الذهبي الماضي بنسبة 4.1 في المئة عن مستويات ما قبل الوباء عام 2019.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن أجل مساعدة الاقتصاد في تحقيق هدف النمو السنوي للحكومة البالغ نحو خمسة في المئة، تدرس الصين إصدار ما لا يقل عن تريليون يوان (137 مليار دولار) من الديون السيادية الإضافية لتمويل مشاريع البنية التحتية، إذ تستعد بكين لجلب جولة جديدة من التحفيز، وفقاً لما ذكرته وكالة “بلومبيرغ” الثلاثاء الماضي نقلاً عن أشخاص مطلعين على الأمر.
وكرر معظم المحللين خلال الأشهر الأخيرة أن صناع السياسات سيحتاجون إلى الذهاب لأبعد من مجرد تقديم تدابير مجزأة من أجل تعزيز الانتعاش الاقتصادي، إذ قال الرئيس الإقليمي لأبحاث منطقة آسيا والمحيط الهادئ في “آي إن جي” روبرت كارنيل “مهما كان ما سيخرج من بكين خلال الأشهر المقبلة، فمن المحتمل ألا يكون سريعاً بما يكفي لإحداث أي فرق ملموس حتى عام 2023″، مضيفاً “في أحسن الأحوال، يجب أن ينظر إلى ذلك على أنه أداة لإدارة الألم للانتقال إلى اقتصاد أقل استدانة”.
الأزمة تمتد إلى اقتصادات آسيا
في تقرير حديث، أشار صندوق النقد الدولي إلى أهمية تزايد الدور الصيني في الاقتصاد العالمي بصورة كبيرة خلال العقود الأخيرة، إذ كان بمثابة محرك بالغ الأهمية للتكامل التجاري في آسيا، وستحدد آفاق النمو في الصين في الأمد المتوسط، مثلها في ذلك مثل بلدان أخرى، جزئياً بفعل قوى رئيسة مثل التقارب مع مستويات الدخل والتركيبة السكانية في الاقتصادات المتقدمة.
ومع ذلك، فإن محركات السياسة الهيكلية الرئيسة بما في ذلك زخم الإصلاح المحلي، والعوامل الخارجية وضمنها التفتت الجغرافي الاقتصادي، كلها عوامل تؤثر بصورة كبيرة في هذا المسار.
وفي ما يتعلق بالعواقب المحتملة التي قد تترتب على آسيا وخارجها نتيجة لمسارات النمو المختلفة، قال صندوق النقد الدولي إن ما يسمى “استراتيجيات إزالة الأخطار” التي تتبعها الصين والولايات المتحدة ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى والتي تهدف إلى إعادة الإنتاج محلياً أو بعيداً من بعضها بعضاً، يمكن أن تؤدي إلى إعاقة كبيرة للنمو في جميع أنحاء العالم، حتى مع افتراض عدم وجود قيود تجارية جديدة مع دول ثالثة، بخاصة في آسيا.
وفي حين أن العودة للوطن ستكون مؤلمة بصورة خاصة للجميع، يذكر أن دعم الأصدقاء لا يولد فوائد صافية لدول ثالثة على المدى الطويل لأن الفوائد الناجمة عن تحويل التجارة تقابلها آثار الانكماش في كل من الصين ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وبالنسبة إلى المنطقة، تشير النتائج إلى أن البلدان الثالثة لا يجب أن تتوقع الاستفادة بشكل سلبي من سياسات دعم الأصدقاء، بل يجب عليها بدلاً من ذلك أن تسعى بنشاط إلى الإصلاحات التي يمكن أن تساعدها على مواصلة الاندماج في سلاسل التوريد العالمية. أما في ما يتعلق بالاقتصادات الجهازية في مختلف أنحاء العالم، فهناك حاجة ملحة إلى حوار بناء لحل مصادر التوترات الأساسية ومقاومة نتائج التفتت المكلفة.
وفي الصين، تؤكد الأخطار التي يفرضها التفتت على النمو المدى المتوسط الحاجة إلى إصلاحات هيكلية شاملة من شأنها أن تساعد مستويات الدخل على التقارب بسرعة أكبر مع تلك الموجودة في الاقتصادات المتقدمة مثل سد فجوات الإنتاجية بين الشركات المملوكة للدولة والشركات الخاصة ومواصلة الانفتاح، وتشير دراسات صندوق النقد الدولي إلى أن تحقيق هذه الغاية من شأنه أيضاً أن يخلف آثاراً إيجابية كبيرة على الاقتصادات الأخرى في آسيا.