
كتب- أسامة جلال
في الوقت الذي تجني فيه الدول المصدرة للنفط عوائد ضخمة من هذه الثروة.. فإن الحقيقة المرة التي يقرها الواقع وتفرضها الأرقام تبين أن كل برميل نفط خام مصدر يخسر في المقابل ما قيمته نصف إلى ثلاثة براميل مماثلة عند استيراده بعد التصنيع أو التكرير بحسب عدة عوامل مجتمعة.
فإذا كانت الدول المصدرة للخام تعود لتستورد ذات البرميل بعد التصنيع بما قيمته بين واحد ونصف إلى أربعة أضعاف السعر للبرميل الخام المصدر.. فإنها بذلك تخسر بين نصف إلى ثلاثة براميل عن كل برميل خام مصدر.
وإن كانت هذه الحقيقة صادمة؛ فإن بعض الدول المصدرة تقوم على عدم هدر هذه الثروة بالتصدير ومحاولة اللجوء إلى التصنيع أو التكرير لتحقيق القيمة المضافة القصوى من كل برميل نفط خام (لكن الكثير من المعوقات تعترضها ربما أبرزها عوامل جيوسياسية).
ومن الحقائق الواجب ذكرها أن هناك عدة أنواع للنفط الخام تختلف بحسب الكثافة والمكونات الكيميائية بحسب مواقع استخراجها.. كما أن مصافي التكرير تختلف قدراتها فمنها ما يتعامل مع النفط الخفيف الحلو أوالنفط الثقيل وبدرجات مختلفة وهو ما يخلق الفارق بين أسعار النفوط المختلفة بالاضافة لعوامل أخرى منها النقل.
وإن كانت الاحصاءات والارقام التي تصدرها الجهات المعتبرة والمتخصصة في شؤون النفط متفاوتة بشأن سعر برميل النفط بعد التصنيع أو التكرير نظرا لمتغيرات عدة منها نوع النفط وطبيعة المصفاة والعرض والطلب والنقل وأسعار الخام وغيرها إلا أنها جميعا تستقر على حقيقة ظاهرة واضحة منطقية وهي أن هناك فرق ربما كبير بين سعر البرميل قبل وبعد التصنيع والتكرير.
وتشير الاحصاءات والأرقام المتوفرة إلى أن كل برميل نفط خام مصدر وبمعدل السعر المتداول حاليا (في حدود 75 دولار للبرميل الواحد) فإن الدولة المصدرة تفقد في المقابل بين 37.5 إلى 225 دولار عن كل برميل خام مصدر وكان من الممكن أن تضاف إلى قيمة البرميل لو أن هذه الدولة قامت بالاستفادة من البرميل الخام في التصنيع أو التكرير.

ويجب الإشارة هنا إلى أن سعر برميل النفط الخام بالمستويات الحالية لا يعبر بالأساس عن سعره الحقيقي إذا ما عقدنا مقارنة بين سعر البرميل في بدايات تصديره عربيا في العام 1946 وسعره الحالي وفقا لتصريحات أدلى إلينا بها الخبير النفطي الكويتي الدكتور خالد بودي والذي أكد أنه ووفقا لمعدلات التضخم فإنه من المفترض أن يكون سعر برميل النفط اليوم مختلف تماما عن سعره الحالي “وهذا بشكل نظري”.
وحول النفط الخام وسعر البرميل بعد تصنيعه قال الدكتور بودي لـ (أونا الإخبارية – www.oilnewsagency.com) : “لو رجعنا إلى أسعار النفط تاريخيا لوجدنا أن سعر برميل النفط في العام 1946 بلغ 20 دولارا للبرميل ووفقا لمعدلات التضخم فإن 20 دولارا في عام 1946 تعادل رقما مختلفا كليا عن الرقم الذي يباع به النفط حاليا.
وأضاف.. وهذا معناه أنه لو ارتفعت أسعار النفط بالتوازي مع نسب التضخم لوجب أن يكون سعر برميل النفط مرتفع جدا اليوم موضحا “إلا أن ذلك من الناحية النظرية فقط لأن أسعار النفط تتحرك هبوطا وصعودا تبعا لعدة عوامل أحدها فقط معدل التضخم”.
وأوضح بودي لنا أن العوامل التي تتحرك تبعا لها أسعار النفط هي:
- مستويات العرض والطلب.
- الأوضاع الإقتصادية في العالم.
- الأوضاع السياسية في العالم.
- درجة المنافسة من مصادر الطاقة الأخرى.
- نسبة التضخم.
- حركة المضاربة على النفط كسلعة في أسواق المال العالمية.
وبين بودي أن تلك العوامل تؤثر على أسعار النفط صعودا أوهبوطا حسب الحالة.. مضيفا “وحيث أن السلع المصنعة تتأثر بشكل رئيسي بنسبة التضخم وتكلفة الإنتاج لذلك نجد أسعارها في صعود مستمر وبالتالي فإن الدول المنتجة للسلع الخام ومن بينها النفط تخسر في واقع الحال لأنها تستورد سلعا ترتفع مع نسب التضخم المالي وتصدر سلعا تتقلب أسعارها تبعا للعوامل المشار إليها أعلاه”.
وفي رده على سؤال حول إذا ما كانت الدول المنتجة هي الخاسر الأكبر والدول الصناعية هي المستفيدة أكد الخبير الدكتور خالد بودي ذلك بقوله: “نعم.. فهذا يعني أن الدول النفطية غير الصناعية تضطر لتحمل أعباء مالية متزايدة لإستيراد السلع المصنعة خاصة عندما تكون أسعار النفط الخام منخفضة “.
وقال: “لذلك نرى أن الدول المنتجة للسلع الخام ومن بينها النفط إذا كان العائد من تصدير هذه السلع لايغطي مصروفات الموازنة إلا بنسبة محدودة فإنها تضطر للإستدانة بشكل مستمر وهذا يؤدي إلى تدهور أوضاعها الإقتصادية “.
وأكمل الدكتور بودي لـ (أونا الإخبارية – www.oilnewsagency.com) إذا ما نظرنا إلى محور السؤال حول أسعار النفط والتضخم فإننا نقول انه وحيث أن السلع الصناعية تضاعفت أسعارها أكثر من حوالي 15 ضعفا منذ العام 1946 في حين أن سعر النفط (وفقا للأسعار الحالية) لم يتضاعف سوى حوالي ثلاث مرات ونصف منذ ذلك العام فهذا يعني أن الدول المصدرة للنفط تحتاج مقابل كل برميل تصدره من النفط إلى موارد أضافية أو إلى الإقتراض بما يعادل قيمة 3 براميل ونصف أخرى حتى تشتري نفس السلع والبضائع التي تحتاجها مشيرا إلى أنه وفي حال إرتفاع أسعار النفط أوإنخفاضها وإرتفاع معدل التضخم وإنخفاضه تتغير هذه المعادلة.

خبير واستشاري النفط الدكتور/ عبدالسميع بهبهاني
ويؤكد على حديث الدكتور بودي الخبير والاستشاري النفطي الدكتور عبدالسميع بهبهاني في رده على أسئلتنا (أونا الإخبارية – www.oilnewsagency.com) بهذا الشأن حيث يؤكد أنه ومن واقع تطبيق معدل الغلاء على كلفة انتاج برميل النفط الخام خلال الـ 45 سنة الماضة وهو 3.8% سنويا يجب أن تكون قيمة البرميل الحالية حوالي 350 دولار.
وفي رد بهبهاني على أسئلة (أونا الإخبارية – www.oilnewsagency.com) قال: عند حساب برميل الخام المصدر من النفط عادة تكون الحسبة متعلقة وطريقين الأول هو الكلف التشغيلية التي عادة تدور حول 40% من حساب كلفة البرميل وأهم عاملين فيها هما الأيدي العاملة والنقل فيما تكون الـ 60% الأخرى من كلفة البرميل هي رأسمالية تتمثل في البنى التحتية من حديد وأسمنت بالإضافة إلى المسوحات.
وأوضح بهبهاني أن تطبيق معدل الغلاء على كلفة البرميل من خلال مواد انتاجه اقرب الى الواقع ومن ثم على الخام مباشرة ومن واقع هذا يكون الغلاء المطبق خلال 45 سنة الماضة هو 3.8% سنويا ومن ثم قيمة البرميل الحالية يجب ان تكون حوالي 350 دولار للبرميل وهذه المرجعية يمكن مقارنتها بالبرميل المصنع المكافئ.
وتابع بهبهاني: اما الطريق الثاني اذا طبقت نسب الغلاء بعموميتها على عموم معدلات التضخم الرأسمالي والتشغيلي الذي يحسب حاليا على 3.4% سنويا فان قيمة البرميل الحالية ولنفس الفترة تكون القيمة التقديرية لبرميل النفط الخام 262 دولار.
وبين أنه اذا ما طبقنا نسب الغلاء على مصادر الطاقة الأخرى المنتجة للحرارة كالفحم مثلا فأرقام البرميل ستكون في حدود 600 دولار مكافئ مشيرا إلى أنه وللمقارنة بين برميل الخام المصدر والبرميل المكافئ المستورد “فإننا نرى من المنطق تثبيت العوامل المشتركة في الكلف بين البرميلين وهي طريقة السلع المنتجة للبرميل ومن هذا المنطلق نرى حساب البرميل المكافئ يجب ان يكون بمشتركات البرميلين.. ومن ثم يحسب من ذلك حساب الهامش الربحي والفارق بينهما.
وأشار الى أن حساب البرميل المستورد المصنع وما يعبر عنه بالبرميل المكافئ المصنع والذي يغلب على محتواه البلاستيك او البوليمرات وايضا برميل المشتقات من المصافي واهمها وقود الديزل والطائرات وبجانب اقل الكيروسين والبنزين “عادة تكون أساسا لحسابات للكلفة وهنا يطبق الغلاء بشكل انسيابي سهل خلال الاربعين سنة الماضية”.
وأوضح أن معدل الغلاء المطبق يتراوح أيضا بين 3.8% و6.5% سنويا في السلع المنتجة من الخام بين المصنع والمشتق “ونعتقد ان الغلاء المطبق على البرميل المكافئ غير مبني على أصول اقتصادية ومن ثم هناك هامش ربحي سخي متواجد على البرميل المكافئ خاصة منتج المصافي والذي فاق ال 60%”.
وألمح الخبير بهبهاني إلى أنه وبالنظر إلى المنحنى البياني لسعر برميل النفط نجد أنه ظل فترة طويلة تقريبا من 1945 إلى 2002 بقيمة 20 دولار، ثم قفز قفزة تقريبية بين 2012 إلى 2014 بقيمة 100 دولار ثم رجع مرة أخرى ليتراوح منذ 2000 إلى الآن على الـ 70 دولار صعودا ونزولا 2 – 5 في ذلك.
وقال أنه وبهذه المنحنيات لا يمكن تقبل الطريقة الإحصائية لاستخلاص القيمة العامة والمعدل العام لبرميل النفط منذ اكتشافه إلى هذا اليوم حيث نجده تقريبا بحدود 53 دولار للبرميل وهو رقم لا شك بعيد كل البعد عن حساب قوانين الغلاء والجدوى الاقتصادية لأنها لا تتوائم معها لافتا الى ان هذا بالنسبة لبيع النفط الخام “أما بالنسبة للبرميل المكافئ كما ذكرت بأنه عندما يكون بين المشتق والمصنع فنجد بأن الأرقام حقيقية وأكبر”.
ولفت الى انه وبحساب القيمة الحالية وبمعدلها العام 75 دولار وتطبيق الحد الأدنى لنسبة الغلاء التي هي 3% – وهو رقم متحفظ حيث أن القيمة الحقيقية للنفط يفترض أن تكون في الأدنى 194 دولار- نجد بهذه الحسبة إننا نشتري البرميل المكافئ ببرميلين ونصف للبرميل الخام وبرميل المشتق بقيمة أربعة براميل خام.
وذكر الاستشاري بهبهاني لنا أن أهم أسباب ذلك يعود إلى الجانب الجيوسياسي حيث التقلبات التي نراها من المنحنى البياني للنفط بالذات وعندما يقارن بالفحم وبالمنتجات الاستهلاكية الأخرى نجد أن الجانب الجيوسياسي هو المسيطر على تحديد المدى السعري “وينحصر في جهتين أولهما جهة المضاربين التي عادة ترفع وتخفض أسعار النفط والمنتجات أيضا بتقارير غير منطقية؛ وما إضافة تسعيرة خام تكساس المتوسط الى مرجعية سلة الأسعار المعروفة (BFOET) الا لزيادة التحكم بأسعار النفط رغم وجود خام إيكوفيسك المشابه له”.
وتابع.. عندما نتكلم عن احتياطيات الـ النفط في الدول العربية فلا شك أننا نجدها سخية وعالية جدا فعلى سبيل المثال عندما نرسم مثلثا من السليمانية في شمال العراق إلى الرياض ثم إلى مسقط فإننا نجد داخل هذه الثلاثة أضلاع والتي تغطي فقط 7% من مساحة الشرق الأوسط نجدها تحتوي على 65% من المخزون العالمي الذي بلغ حوالي 2.7 تريليون برميل من النفط الخام وحوالي 5.7 من المكافئ موضحا ان المخزون المكافئ يشمل 75% من مخزون منظمة أوبك “وفي الحقيقة هناك إضافات كثيرة أضيفت إلى المخزون العالمي بحوالي 110 حقول جديدة خلال السنوات العشر الماضية”.
وقال بهبهاني لـ (أونا الإخبارية – www.oilnewsagency.com) أن التوجه الى التصنيع لهذا النفط الخام هاجس قديم تجدد وتطور إلى إنتاج المستقبل (مشتق) وتصديره وهو ضمن خطط الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات حيث من المتوقع أن تزداد نسبة تصدير المشتق وتطوير المصافي.
واشار الى ان المصافي تسير بصورة أسرع وهذا يجعل أيضا هناك تحدي للسعر وتحدي لإنتاج المصافي في أوروبا وآسيا مبينا انه قد يكون هناك توجه أو تغير جغرافي في عملية نقل الوقود الخام والوقود المنتج من المصافي وهذا يشكل تحدي حقيقي للمصافي العالمية وقد تكون لها تبعات نقل جغرافية مختلفة.
وعن النفط المصنع سواء كانت صناعات كيميائية للنفط او للغاز اوضح بهبهاني انها مازالت هناك عقبات في التسويق “والمسألة تسير ببطء رغم أن الدراسات العالمية تقول بأن المردود الأساسي سيكون من هذا القطاع وسوف تقفز خلال الثلاث سنوات القادمة.. واتصور تحديد السعر العالمي يحتاج إلى تجانس وتنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي حيث أن عدم التنسيق بينها يجعل هذه السلعة تواجه تحديات التسويق العالمي”.

من جهة أخرى ووفقا للتقرير (الربع السنوي – الرابع 2022) الصادر عن منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) فإن معدل سعر برميل نفط خام الإشارة مزيج برنت قد بلغ في الربع الرابع من العام الماضي 2022 نحو 88.2 دولار فيما بلغ معدل سعر برميل نفط خام القياس العالمي الأمريكي غرب تكساس الوسيط نحو 82.6 دولار بينما بلغ معدل سعر سلة خامات منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) نحو 87.7 دولار للبرميل.
وهذا يعني أن برميل سلة خامات (أوبك) خسر خلال تلك الفترة ما بين 43.85 إلى 263.1 دولار بفرضية أن البرميل المصنع أو المكرر يقابله ما بين واحد ونصف إلى أربعة براميل خام.. وبهذا تكون الخسارة بين نصف إلى ثلاثة أضعاف السعر حيث أن البرميل الخام استرد قيمة برميل واحد عند التصدير ويتبقى أن يخسر بين نصف إلى ثلاثة أضعاف إذا ما تم استيراده مكررا أو مصنعا.
وبحسب تقارير وبيانات منظمة (أوبك) على سبيل المثال والتي تأسست في 14 سبتمبر 1960 في بغداد من قبل الأعضاء الخمسة الأوائل (إيران والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية وفنزويلا) وتضم حاليا في عضويتها 13 دولة من أبرز كبار منتجي النفط في العالم؛ فإن إمدادات دول هذه المنظمة التي تعد أهم منظمة نفطية عالمية تصل إلى نحو 29.1 مليون برميل يوميا في الربع الأخير من 2022.
وبالنظر إلى إمدادات منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) والبالغ متوسط حصتها من إجمالي الإمدادات النفطية العالمية حوالي 35% من الامدادات النفطية العالمية نجد أن المنظمة خفضت حصتها خلال الربع الرابع من عام 2022 حيث انخفضت إلى 34% وهو مستوى أدنى من الحصة البالغة %34.7 خلال الربع السابق.
وقد انخفضت امدادات دول أوبك من النفط الخام فقط خلال الربع الرابع من عام 2022 بمقدار 300 ألف برميل/يوم مقارنة بالربع السابق لتصل إلى نحو 29.1 مليون برميل يوميا مرتفعة بنحو 2 مليون برميل يوم عن مستوى الإنتاج في شهر أغسطس 2022.
ويعني ذلك وفقا للأرقام المعلنة من (أوبك) نفسها بإمدادات نحو 29.1 مليون برميل يوميا فإن دول أوبك مجتمعة تخسر يوميا بين (14.55 مليون برميل) إذا ما افترضنا أن هذه الدول تستورد تلك البراميل التي صدرتها بعد تصنيعها بما قيمته واحد ونصف من قيمة البرميل حيث أنها بذلك تخسر نصف برميل عن كل برميل لأنها باعت برميل واستوردت برميل ونصف فيصبح الفارق بين العمليتين نصف برميل فقط.
وبحسبة بسيطة باعتبار دول (أوبك تخسر نصف برميل عن كل برميل مصدر) وقيمة البرميل (75 دولار) فإن دول اوبك تخسر يوميا ( 1.091 مليار دولار) إلى (6.547 مليار دولار) من القمية المضافة للبرميل وهو ما يعني أن تلك الدول تخسر سنويا إذا ما افترضنا عدد أيام التداول بعد خصم أيام العطلات الأسبوعية (يومين في الأسبوع) وخمسة أيام عطلات في المناسبات فقط ليصبح عدد أيام التداول 250 يوم في السنة فقط فإن الخسائر تقدر بين (272.75 مليار دولار) إلى (1,636.75 مليار دولار) سنويا.
وهذا يكون مع الوضع في الاعتبار أن اسعار النفط في البورصات العالمية سواء بورصة لندن أو بورصة نايمكس الامريكية في نيويورك أو غيرهما متغيرة بشكل يومي ما بين صعود وهبوط وفقا لعناصر عدة أبرزها العرض والطلب وتوفر الإمدادات والأحداث الجيوسياسية والمضاربات وغيرها من العناصر لسنا بمعرض الحديث عنها تفصيلا هنا.
وإذا ما تحدثنا عن الإمدادات النفطية العالمية من (نفط خام وسوائل الغاز الطبيعي) شاملة انتاج روسيا وبرغم قرارات (أوبك +) والتي خفضت انتاجها للحد من الارتفاع في اجمالي الامدادات فقد شهدت الامدادات ارتفاعاً ملحوظاً خلال الربع الرابع من العام الماضي 2022 لتصل إلى 101.5 مليون برميل يوميا وهو مستوى مرتفع بنحو 3.7 مليون برميل مقارنة بالربع المماثل من العام 2021..


وقد حبى الله سبحانة وتعالى الكثير من الدول العربية بنصيب وافر من هذه الثروة المعدنية الطبيعية فأصبحت من أغنى الدول وأثراها ما انعكس على حياة المواطنين من رفاهية وترف.. فالثروة النفطية العربية أو الثروة النفطية لمنظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) – وهي لا تضم الدول العربية كلها – تقدر بـ (715.5) مليار برميل كاحتياطي مؤكد في العام 2021 وفقا لتقرير (أوابك) السنوي للعام 2022 وهو ما يعادل نحو 54.9% من الاحتياطي المؤكد في العالم البالغ نحو 1304 مليار برميل نفط.
وانتجت دول هذه المنظمة العربية الدولية نفسها في العام 2021 وفقا لتقرير (أوابك) السنوي للعام 2022 ما يبلغ نحو21,541 مليون برميل يوميا في حين انتجت باقي دول العالم ما يعادل61,441 مليون برميل يوميا من إجمالي انتاج عالمي بلغ نحو 82,983 مليون برميل أي أن انتاج دول منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) في 2021 بلغ نحو 26% من الانتاج العالمي.
ويعكس هذا الاحتياطي والانتاج للدول العربية في منظمة (أوابك) حجم الثروة الضخمة التي يتحتم استغلالها والتوجه إلى كسب قيمة مضافة لهذه الثروة فرغم عمل بعض الدول على تعظيم قيمة البرميل الخام إلا أن الطريق مازال طويلا حيث يحتاج ذلك للعمل بجهد كبير واستثمارات ضخمة كما فعلت الكويت مؤخرا على سبيل المثال في إنشاء مصفاة الزور التي ستبلغ طاقتها الانتاجية القصوى نحو 610 ألف برميل يوميا يتم تكريرها لتعظيم الاستفادة من النفط الخام ولتكون أكبر مصفاة نفط في العالم.
ويعد التوجه إلى مشاريع البتروكيماويات والكيماويات من أنجح المشروعات المتاحة للدول العربية في منظمة (اوابك) والبالغ عددها 11 دولة عربية التي تستطيع أن تعظم قيمة برميل النفط الخام وتحمي هذه الصناعة الدول من التقلبات والاضطرابات الحاصلة في أسواق النفط العالمية.
فوفقا لتقرير وكالة الأنباء الكويتية (كونا) النفطي والصادر في الربع الأخير من 2019 وقبل أن تضرب جائحة كورونا بأطنابها مظاهر الحياة في العالم أجمع وتراجع أسعار النفط وغيرها ذكر التقرير أن صناعة الكيماويات والبتروكيماويات تعظم القيمة المضافة وتزيد من الإيرادات بنسبة تترواح بين 10 و 15 دولاراً في البرميل الواحد من النفط.
وأشار التقرير إلى ان هذه الصناعة جزء من سلسلة القيمة العالمية للاقتصاد والصناعة وتساهم بحوالي 4 تريليونات دولار من القيمة المضافة دوليا مشيرا إلى أن الكيماويات الكويتية ستنتج 10 ملايين طن سنوياً بحلول 2025 ونحو 16 مليوناً بحلول 2030.
وبين التقرير أن مبيعات هذا القطاع تصل إلى نحو 8ر6 تريليونات دولار عالمياً في العام 2020 وأن الصناعة تساهم في دعم 880 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة ومستحدثة في دول الخليج وفقا لتصريحات الأمين العام للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات (جيبكا) الدكتور عبدالوهاب السعدون وهذه المنظمة تتبنى الاهتمامات المشتركة في القطاع وتعمل على تطويره.
فما من شك أن سلعة النفط تلعب دورا أساسيا في حياتنا المعاصرة حيث دخل خام النفط ومشتقاته في معظم السلع التي نتداولها من مأكل ومشرب وملبس وكل شئ سواء بشكل مباشر أو غير مباشر فليس بغريب أن نعلم أن هناك العديد من المنتجات من النفط كثيرة ومتعددة بل لن يصدق البعض انها تنتج من النفط بالاساس على سبيل المثال منها: (العلكة والجوارب الحريمي ومستحضرات التجميل ومغلفات الأواني التي لا تلتصق وأقلام التلوين والأقمشة الصناعية والأسبرين والمعدات الرياضية وأطقم الأسنان ومعجون الأسنان وغيرها) وبهذا أصبح التصنيع أو على أقل تقدير التكرير وصناعة الكيماويات والبتروكيماويات مطلب ملح وضروري للدول المنتجة حتى لا تهدر ثرواتها وتضيع على نفسها فرص إضافية قيمة لهذه الثروة المؤكد فناؤها يوما ما قد يكون بعد سنوات قريبة في دول وبعيدة في دول أخرى.
ووفقا للمسوحات الزلزالية ثنائية وثلاثية الأبعاد من المفترض أن تنتهي وتنضب هذه الثروة في أوقات معينة يختلف حولها الخبراء ما بين مؤيد للفكرة ومشكك لها خصوصا أنه من الممكن اكتشاف طرق تكنولوجية جديدة لاستخراج النفط كما (النفط الصخري) أو اكتشاف حقول جديدة ليست محسوبة ضمن الاحتياطي أو ترشيد الاستهلاك واكتشاف مصادر طاقة أخرى أقل كلفة وصديقة للبيئة.
لكن الثابت والذي لا ريب فيه أن الاحتياطي المؤكد لاشك سينضب يوما ما بحسبة بسيطة هي قسمة حجم الاحتياطي المؤكد على القدرة الانتاجية الفعلية أوالمنتج والمستهلك بالفعل من النفط يوميا في أي دولة أو في العالم مجتمع.
الجيد في الأمر أن بعض الدول العربية أخذت تنتبه قبل سنوات ليست بالبعيدة لحتمية نضوب النفط وتلاشي العوائد الكبيرة التي ولاشك ستعرضها ربما في أجيال بعيدة لهزائم اقتصادية مبرحة تعيدها للوراء مئات السنين وهو ما دفع بعض القيادات للتفكير في عدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل وذلك إما بالتجارة أو الاستثمار في مشروعات غير نفطية أو الاستثمارات الدولية أو الصناعية وربما الزراعية أيضا.. بل أن بعض الدول انتبهت لضرورة أضافة قيمة كبيرة للبرميل النفطي الخام نفسه وعملت على إنشاء مصافي عملاقة كما ذكرنا (مصفاة الزور في الكويت أكبر مصفاة لتكرير النفط في العالم بطاقة 615 ألف برميل يوميا) ليتحول النفط الخام الكويتي الثقيل كمنتجات ووقود نظيف وبالأخص زيت الوقود وليس كخام فقط وهو ما يضاعف السعر للبرميل.. ويعد قيمة مضافة مهمة تزيد من العوائد النفطية حتى لو كانت على مستوى الاستهلاك المحلي.

المتحدث الرسمي لشركة (كيبيك) المسؤولة عن مصفاة الزور السيد/ عبدالله فهاد العجمي
وفي رده على أسئلة (أونا الإخبارية – www.oilnewsagency.com) أكد المتحدث الرسمي لشركة (كيبك) الكويتية وهي المسؤولة عن مصفاة الزور عبدالله فهاد العجمي أن الطاقة التشغيلية القصوي لمصفاة الزور تبلغ 615 الف برميل باليوم لافتا إلى أن مصفاة الزور تقوم بتكرير النفط الخام واستخراج منه المنتجات مثل النافثا والكيروسين والديزل وزيت الوقود منخفض الكبريت والكبريت الصلب.
وأوضح لنا العجمي أنه قد تم حاليا تشغيل مصفاتين من اصل ثلاث بطاقة تشغيليه تبلغ 410 آلاف برميل ويتم التحضير لتشغيل المصفاة الثالثه قبل نهاية العام الحالي.. (حيث أن مصفاة الزور تضم ثلاث مصافي).
ولفت العجمي إلى أن برميل النفط الخام الواحد يعادل لديهم في المصفاة (١٧ ٪ النافثا – ١٦ ٪ الكيروسين – ١٨ ٪ الديزل – ٤٩ ٪ زيت الوقود منخفض الكبريت).
وتصريحات العجمي لنا تؤكد أن التكرير مهم ومربح بشكل أكبر ويحقق الاستفادة من الثروة النفطية كأقصى استفادة متاحة وليس الاكتفاء بمجرد تصديرها كنفط خام.. وإضافة قيمة لهذه الثروة إما بالتصنيع أو التكرير وبتحويل النفط الخام إلى منتجات نفطية أخرى أعلى قيمة.
وإذا ما تم حساب البرميل بما يعادل نحو 159 لترا أو نحو 42 غالون.. فإن النافثا في البرميل تعادل نحو 27.03 لترا والكيروسين يعادل 25.44 لترا والديزل 28.62 لترا فيما تعادل نسبة 49% لزيت الوقود منخفض الكبريت 77.91 لترا.
وبحساب أسعار هذه المنتجات عند تصديرها بما هو بالبرميل أو اللتر أو الطن فنجد أن سعر البرميل من النفط الخام يعادل ما قيمته ضعف سعر البرميل الخام والذي نقدره هنا بمتوسط 75 دولار للبرميل.

ما يؤكد على أن التصنيع يحقق المزيد من الارباح لبرميل النفط والمذهل في ذات الوقت والذي يجب أن نعرفة أن دول غير نفطية ولا تمتلك ثروات كهذه أصبحت خلال عقود بسيطة من أهم الاقتصادات في العالم وأصبح معدل دخل الفرد فيها أكبر بكثير من دول أخرى تمتلك الثروات النفطية الغزيرة صحيح أن معدل دخل الفرد تحكمه عوامل كثيرة لكن تحويل النفط الخام إلى منتجات أخرى كان سببا رئيسا في ذلك.
الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور يلخص لنا رؤيته حول النفط الخام والنفط بعد التكرير وله وجهة نظر تؤكد أنه لابد من العودة لدراسة إذا ما كان بيع النفط الخام أكثر ربحية وأسهل أم بيع المنتجات النفطية أكثر ربحية وأعلى قيمة فيقول بوخضور لنا في (أونا الاخبارية – www.oilnewsagency.com):
یعد النفط الخام مصدر ھام من مصادر الطاقة وذو أھمیة اقتصادیة قصوة ،یستخدم كمادة أولیة ھامة في الصناعات الكیمیائیة مثل إنتاج الأسمدة الكیماویة والمبیدات الحشریة والأقمشة وغیرھا من الكثیر من الصناعات.

الخبير الاقتصادي السيد/ حجاج بوخضور
ويتابع الخبير بوخضور: وكما نعلم ان النفط الخام وھو مزیج من المركبات الھیدروكربونیة الناتجة عن عملیات تحول لبعض المواد العضویة الطبیعیة الناتجة في باطن الأرض تحت الضغط والحرارة الشديدين.
ولفت الى أن النفط الخام يمر بعدة مراحل من الانتاج الى التخزين الى النقل الى التكریر كمنتج لمصادر للطاقة والى الصناعات الكيماوية الى المواد الاولية لكثير من الصناعات والتي تصل الى 400 ألف منتج.. “وكل مرحلة من المراحل التي يمر بها النفط يكون له قيمة مضافة”.

وأشار إلى أن مرحلة التكرير عبارة عن فصل النفط الخام إلى مكوناته وجزیئاته الأصلیة عن طریق التقطیر بالتجزئة وتصنیعھا إلى منتجات نھائیة صالحة للاستخدام كوقود وكمواد أولية للصناعات النفطية یطلق علیھا مشتقات البترول.
وأوضح أن أھم مشتقات النفط الخام هي:
- الجازولین: أو ما یسمى البنزین كوقود للمحرك في المركبات.
- الكیروسین: ھو سائل رقیق وشفاف ویستخدم كزیت للتدفئة، ووقود للمحركات النفاثة، وكمذیب للمبیدات الحشریة.
- الدیزل: ھو سائل قابل للاحتراق ویستخدم كوقود في محركات الدیزل، وبعض مركبات البناء.
- الأسفلت: وهو من مخلفات النفط ویستخدم أساسا تعبید الطرق، وتغطیة السدود، وتبطین القنوات والخزانات وغیرھا من أمور البناء والتشیید.
- غاز البیوتان: ویستخدم كوقود وكوسیط كیمیائي.
- زیوت التشحیم: تستخدم لمنع الاحتكاك، والحرارة، والتآكل بین المكونات المیكانیكیة المتصلة ببعضھا.
وهنا يطرح السؤال ايهما افضل ان تبيع الدول المنتجة للنفط في صورة الخام ام تقوم بتكریره ثم بیع مشتقاته؟
وقال بوخضور لـ (أونا الإخبارية – www.oilnewsagency.com): “لتقرير بيع النفط خاما او في صورة مشتقات علیك دراسة العوامل المحلیة والعالمیة بحیث تمكنك من بناء استراتیجیة للعمل تحقق لك أعلى قیمة من الربح ومستدامه وهي:
- اولا: العامل العالمی: ان ضبط سعر المنتجات النفطیة هي عملیة عالمیة تخضع لعدة عوامل مثل تكالیف النفط الخام، وتكالیف النقل، وتكالیف الطاقة المستخدمة في التكریر، وغیرھا من التكالیف التي یجب أخذھا في الاعتبار.
- ثانيا: تحديد السعر المطلق للنفط الخام وذلك بمعرفة الحد الأدنى لأسعار النفط بما یحقق الحد الأدنى للعائد المستهدف وفروق الاسعار من صناعة التكرير للمنتجات الخفیفة والثقیلة.. “ومن العوامل المهم اخذها بالاعتبار تكاليف أسعار البنزین بالنسبة لتكالیف التقطیر”.
- ثالثا: العامل النقدي والاستراتيجي: اصبحت سلعة النفط عالميا وعاءً للقيمة واداة في السياسة النقدية وسلاحا استراتيجيا فكل هذه العوامل يجب تقديرها جيدا عند التقرير بين بيع النفط خاما وبيعه منتجات مكرره.
- رابعا: العامل المحلی.. حيث ترى بعض الدول المنتجة للنفط أن بیع النفط خام أفضل لھا من القیام بتكریره وبیعه منتجات للعدید من الأسباب منھاعدم امتلاكھا لمعامل تكریر قریبة من نقاط التوزیع والبیع للمستھلك النھائي كمشتقات.
- خامسا: عامل التسويق فعملية تسويق المنتجات لبيعها اصعب من تسويق النفط الخام فالمنافسه قوية في الاولى عن الثاني.
- سادسا: العوامل اللوجستية: تكلفة شحن المنتجات اعلى من تكلفة شحن ونقل النفط الخام حیث تحتاج المشتقات إلى 6 خزانات مختلفة تتناسب مع طبیعة كل منتج.
- سابعا: العامل التكنولوجي والمعرفي: تحتاج شركات التكریر إلى تكنولوجیا وتقنیات ومعدات التكریر والتكسیر الھیدروجیني.
وأكد الخبير بوخضور أن جملة هذه العوامل اذا احسن فهمها واتخذت بعين الاعتبار بعدها يكون تحديد اتخاذ قرار بيع النفط خاما او بيعه في صورة مكررات ممكنا ومجديا.
وقال أنه وبعد دراسة كل ما سبق من العوامل وبناء على ذلك فأن ما يناسب الكويت ودول الخليج هو مزيج من بيع النفط الخام وبيع منتجاته من اقامة صناعة التكرير وصناعة البتروكيماويات.
في النهاية من المهم هنا أن ننبه إلى ضرورة أن تقوم الدول النفطية المصدرة لهذا الذهب الأسود بأن تدرس بين حقبة وأخرى كل العوامل المحيطة ربما تستطيع إضافة قيمة جديدة لسعر البرميل تستطيع أن تزيد فيه من العوائد النفطية لتدخرها لأيام ما بعد النفط ولتكون احتياطي مهم ومفيد للأجيال القادمة التي لن تجد هذه الثروة بعد نضوبها.(النهاية)
تقرير كتبه- أسامة جلال: