عالمي

هل تحمل رأس السنة الصينية تعافيا لاقتصاد بكين؟

بدأت السنة القمرية الجديدة في الصين، أول من أمس السبت الـ10 فبراير (شباط) الجاري، إذ يحتفل الصينيون برأس السنة الصينية، ويجمع هذا العام بين الجذع السماوي “جيا”، الذي يمثل خشب اليانغ، والفرع الأرضي “تشن” الذي يمثل التنين، وهذا يجعل من 2024 عام “تنين الخشب”. في رأس السنة الصينية يتوقف الصينيون عن العمل ويسافرون للقاء عائلاتهم في مختلف أقاليم البلاد، ويتبادلون الهدايا المالية ويصلون من أجل أن يصبحوا جميعاً أثرياء خلال الأشهر الـ12 المقبلة، لكن الأمر يبدو أقل أهمية بالنسبة إلى الطالب الجامعي في السنة الأخيرة في بكين تونغ شيو، الذي تضاءلت طموحاته، شأنه شأن الملايين من الشباب الصيني قائلاً لصحيفة “التايمز”، “الشيء الرئيس هو أن تكون سعيداً، وطالما وجدت حياتي الحالية مرضية وذات معنى، فهذا يكفي”.

وتقول الصحيفة، إن الصحف الصينية تمتلئ بقصص الخريجين الذين أجبروا على العودة للعيش مع والديهم بسبب سياسات الإقامة الصارمة في الصين، تضطر إلى العودة إلى مدينتك الأصلية إذا لم تتمكن من الحصول على وظيفة، ويكسبون عيشهم على دراجات توصيل الطعام. ووصلت البطالة بين الشباب إلى مستوى رسمي بلغ 21.3 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مقارنة بـ16.7 في المئة في العام السابق.

المعجزة الصينية

يزعم عديد من المحللين، ويتباهى بذلك أعداء بكين، بخاصة في أميركا، أن المعجزة الاقتصادية الصينية الطويلة انتهت، وهنا يكمن مصدر القلق الأكبر على الإطلاق، وهي المشكلة الأساس الأكثر استعصاءً على الحل، والتي سيواجهها الاقتصاد الصيني في العقود المقبلة، فهناك عدد قليل للغاية من الشباب، وليس عدد كبير للغاية، علاوة على أن سياسة الطفل الواحد التي جرى التخلي عنها في الصين، والتأثير الذي خلفته على التركيبة السكانية، هي ما يقول عديد من المراقبين إنه سيحول الانكماش إلى “حلقة هلاك”.

بعد سنوات من تقييد معدل المواليد، من المتوقع أن ينخفض عدد السكان بمقدار أربعة ملايين شخص سنوياً بحلول عام 2050، وفي البداية، جرى تسمية العقد الأول من القرن الـ21 بأنه “قرن الصين”، ولكن بحلول عام 2100، تعتقد الأمم المتحدة أنها ستكون خسرت عدداً مذهلاً من السكان، بنحو 620 مليون شخص، أي ما يقارب الأميركتين بأكملهما، وبلغ إجمالي عدد سكانها ذروته في عام 2021، لكن عدد السكان في سن العمل بدأ في الخفض قبل ذلك بـ10 سنوات.

الأسباب المباشرة للكآبة التي يشعر بها الخريجون الشباب هي أسباب عادية بطبيعة الحال، وجرى تعدادها من خلال حصيلة منتظمة من الشخصيات الاقتصادية منذ نهاية عمليات الإغلاق الصارمة التي فرضتها الصين بسبب فيروس كورونا.

الاقتصاد الصيني والتحفيز المالي

انخفضت معدلات النمو السنوية المتوقعة للصين من المتوسط البالغة تسعة في المئة في السنوات الجيدة، إلى ما يصل إلى ما بين اثنين وثلاثة في المئة في بعض التقديرات. وكان سعر الفائدة الرسمي في العام الماضي 5.2 في المئة، وهو ما يتماشى مع هدف الحكومة، وهو عادة ما يكون كذلك، لكن صندوق النقد الدولي يعتقد أنه سينخفض إلى 4.6 في المئة هذا العام، ثم ينخفض مرة أخرى كل عام حتى عام 2028، عندما ستنخفض أسعار الفائدة الرسمية عند 3.4 في المئة.

وقبل 15 عاماً، ساعدت عملية التحفيز المالي الهائلة التي نفذتها بكين، في دعم اقتصادها في مواجهة الأزمة المالية، وأيضاً في دعم الثقة في النظام الاقتصادي العالمي برمته، إذ كان صعود الصين أمراً مفروغاً منه، ومنذ ذلك الحين، كانت هناك عقبات في الطريق، ولكن في السنوات القليلة الماضية فقط بدأ سماع أصوات عدم اليقين البطيئة، وبحلول عام 2021، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، مقاساً بأسعار الصرف في السوق، ولكن في العامين الماضيين، ومع ازدهار أميركا ومعها الدولار، حدث هذا التراجع الخطر للمرة الأولى، وانخفض الآن إلى 65 في المئة.

فقاعة إسكان متطرفة

اضطر المنظمون الماليون في الصين إلى اتخاذ خطوة غير عادية بالنسبة لدولة لديها فائض تجاري مذهل يبلغ 823 مليار دولار، إذ تدخلوا لوقف العملة الصينية (اليوان) من الخفض أكثر، وهذا أكثر من مجرد أثر جانبي مترنح لأزمة فيروس كورونا، أو الدورة المنتظمة من الازدهار والكساد في الاقتصاد الرأسمالي التقليدي، إذ إن حجم الانهيار الداخلي في بعض القطاعات هائل، وهي القطاعات التي يشعر فيها الناس العاديون بالضرر بشدة.

كان الانهيار الأكثر إثارة للدهشة في قطاع العقارات، إذ وجدت سلسلة من عمالقة العقارات أنفسهم مثقلين بالديون مع بدء أسعار المنازل في الخفض، وانهارت إحدى أكبر شركات التطوير العقاري، وهي شركة “إيفرغراند”، بينما أصبحت شركة “كونتري غاردن” هي الأخرى على حافة الهاوية، في وقت تواجه عشرات الشركات الأخرى صعوبات في جميع أنحاء البلاد، فالمنازل الفارغة وغير المكتملة إما ليس لديها مشترون أو في كثير من النواحي الأسوأ، أصحابها الذين اشتروا على الخريطة ويدفعون الرهن العقاري على شقق لن ينتقلوا إليها أبداً.

يشير أحد التقديرات إلى أن فقاعة الإسكان كانت متطرفة للغاية في ذروتها، حتى إن القيمة الإجمالية للعقارات في الصين كانت 300 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر من ضعف القيمة في أميركا قبل الأزمة المالية العالمية قبل 15 عاماً، ومن غير المرجح أن يؤدي انفجار فقاعة بهذا الحجم إلى تعزيز ثقة المستهلك، إذ أصبحت العقارات في الصين الآن المصدر الرئيس لغالب الأسر.

وجاء هذا التقدير من أستاذ المالية الأميركي في كلية جوانجهوا للإدارة بجامعة بكين، مايكل بيتيس، الذي اشتهر بتحذيراته في شأن العواقب السلبية المترتبة على الإفراط في الاستثمار، والفائض التجاري الهائل في الصين منذ ما قبل الأزمة المالية. وتمثل الصين بالفعل 31 في المئة من التصنيع العالمي في حين تمثل ما يقل قليلاً عن 18 في المئة من الاقتصاد العالمي أو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

التحول لاقتصاد قائم على الاستثمار

كان قسم كبير من العالم غير سعيد منذ فترة طويلة بإغلاق المصانع المحلية وانتقال الإنتاج إلى الصين، والآن بدأت الولايات المتحدة في الأقل في اتخاذ الإجراءات اللازمة، مما يزيد من احتمالات نشوب حروب تجارية أو الركود أو كليهما.

وكان الحل الواضح بالنسبة إلى الصين، هو الحل الذي حثت عليه المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي لسنوات، يتلخص في تحويل الاقتصاد القائم على الاستثمار إلى قدر أكبر من الاستهلاك. وفي تناقض صارخ مع الأرقام المذكورة أعلاه، فإن استهلاك الصين لا يتجاوز 13 في المئة من الإجمالي العالمي، وهو سبب آخر وراء عدم التوازن التجاري، وإذا لم يقم المستهلكون الصينيون بشراء الصلب أو الهواتف أو السيارات الصينية، فإن بقية العالم مضطر إلى القيام بذلك بسعر مخفض.

وتقول الصحيفة إن كثيراً من اللوم عن الأزمة وجه إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ، ربما لأنه كان يتمتع بكل السلطة منذ أن أصبح زعيماً للحزب الشيوعي في عام 2012، وإشرافه أيضاً على إعادة مركزية واسعة النطاق لهياكل السلطة في البلاد، بما في ذلك كبح جماح الثروة، وقوة الشركات الخاصة ورجال الأعمال مثل مؤسس شركة “علي بابا” العملاقة للتجارة عبر الإنترنت، جاك ما، وبوني ما من شركة “تينسنت”، شركة ألعاب وتطبيقات الهاتف المحمول المهيمنة.

وتضيف الصحيفة “مع ذلك، فإن اختلافات الصين عن الغرب قد تقودنا إلى سوء فهم الكيفية التي تعمل بها البلاد وكيف أن آفاقها، قد لا تكون قاتمة كما تبدو من الخارج”.

يمكن للصين أن تفرض حلولاً قد تكون صعبة سياسياً في الديمقراطيات الغربية، بحسب ما تقول الصحيفة، إذ من الواضح أن شي عازم على المضي قدماً في انفجار الفقاعة العقارية، على رغم الكلفة التي يتحملها أصحاب المساكن، وهو يريد هندسة صدمة قصيرة وحادة، يعقبها انتعاش يقوده دمج الصناعات، إذ بدأت الصين في تحقيق مركز مهيمن في صناعة السيارات الكهربائية، والألواح الشمسية، وغيرها من التكنولوجيات “الخضراء”، وحتى الذكاء الاصطناعي.

الصين وإدارة التحولات

وتمكنت الصين من إدارة مثل هذه التحولات من قبل، حتى ولو لم تكن العواقب المباشرة جيدة، فعندما أصر رئيس الوزراء السابق تشو رونغي على الخصخصة الجزئية لقطاعات واسعة من الصناعة الصينية في أواخر التسعينيات، فقد ما يقدر بنحو 30 مليون عامل وظائفهم في غضون عامين، لكن طفرة الاستثمار والتصنيع في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 أعقبت ذلك.

لكن لا ينبغي لأحد أن يستبعد دولة لا تزال قادرة على خلق عمالقة الأعمال المتفوقين على مستوى العالم، في الصناعات الرائجة، في وقت أزمة مفترضة، فقبل 20 عاماً، كانت شركة “بي واي دي” شركة ناشئة تصنع بطاريات الهواتف المحمولة، وتدون ملاحظات حول ما فعلته الروبوتات في الشركات المصنعة اليابانية والكورية الجنوبية واستبدالها بالبشر، وفي الربع الأخير من عام 2023، تجاوزت قصة النجاح غير المتوقعة هذه شركة “تيسلا” لتصبح أكبر صانع للسيارات الكهربائية في العالم، وهذه فقط مجرد واحدة من سلسلة من شركات السيارات الكهربائية الصينية التي تصل إلى سوق التصدير، وبينما قد تستمر الولايات المتحدة في تقييد الوصول إلى السوق الأميركية، فمن غير المرجح أن يحذو الاتحاد الأوروبي حذوها، وأجزاء كبيرة من العالم سريع النمو تبقي أبوابها مفتوحة أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن ربما الأهم من ذلك كله هو مسألة التوقعات الصينية، إذ كان الحديث عن المعجزة الصينية مبالغاً فيه دائماً، ومستويات النمو المرتفعة كانت جزئياً نتيجة لرفع عبء الماوية عن أكتاف رواد الأعمال الصينيين، ولم يكن ذلك يعني أن الأفراد الصينيين توقعوا على الإطلاق أنهم سيصبحون جميعاً أثرياء.

نمو متفاوت في مقاطعات الصين

وكان النمو متفاوتاً إلى حد كبير في المقاطعات الصينية، وفي حين كانت أجزاء من مدن الساحل الشرقي مثل بكين وشانغهاي وشنتشن قادرة على توفير أنماط حياة مريحة للطبقة المتوسطة على قدم المساواة مع الغرب، فإن المقاطعات الداخلية مثل قويتشو ويوننان، على الحدود النائية لميانمار وجنوب شرقي آسيا، تحوي فقراً مدقعاً.

وعلى رغم أن القاعدة منخفضة، فإنه لا يزال هناك احتمال لنمو المستهلك على المدى الطويل، مثلما كتب المتخصص في معهد “بروكينغز الأميركي”، إسوار براساد، في مذكرة حديثة لصندوق النقد الدولي. وقال إن تاريخ الصين في الإشراف على نموذج النمو غير المتوازن وغير المستدام قد يعمل لصالحها. وكتب “أظهرت الحكومة الصينية قدرة خارقة على إدارة الضغوط الاقتصادية والمالية الشديدة التي تراكمت نتيجة لنموذج النمو غير الفعال والمحفوف بالأخطار الذي تبنته… إذا لعبت الحكومة أوراقها بشكل صحيح، فمن الممكن أيضاً أن يتصور المرء مستقبلاً أكثر اعتدالاً للاقتصاد الصيني”.

ويتحدث المحللون عن وقوع الصين في “فخ اليابان”، ولكن معظم الصينيين سيكونون سعداء بأن يصبحوا نصف ثروة اليابانيين، وهذا الإحساس بالتوقعات الواقعية يمنح الحزب الشيوعي مجالاً واسعاً لإدارة الاقتصاد، وفق الصحيفة.




Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى