عالمي

من يتحمل فاتورة الحرب الاقتصادية في السودان؟

بعد وصول العملية السياسية في السودان للمحطة الأخيرة واقتراب توقيع الاتفاق النهائي بين المكون العسكري بشقيه (الجيش وقوات الدعم السريع) والقوى السياسية المدنية تفجرت الأحداث باندلاع الحرب في 15 أبريل (نيسان) 2023 وقطعت الطريق على بداية جديدة للسودان ومعالجة للأوضاع الكارثية التي تسبب فيها انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2023

تسببت الحرب في ضياع آمال السودانيين في المضي قدماً نحو التحول المدني الديمقراطي والحكم الرشيد وضاعفت من فاتورة العودة لمسار الانتقال بعد نهاية الحرب، إذ أحدثت الحرب دماراً هائلاً في الخرطوم عاصمة السودان وتأثيرات عالية الكلفة على الاقتصاد السوداني بعد 52 يوماً من الحرب تتسع التأثيرات الاقتصادية الكارثية للحرب في السودان.

المالية العامة وضعف تعبئة الإيرادات

السودان من الدول الضعيفة من حيث نسبة الإيرادات للناتج المحلي الإجمالي، إذ يعد من الأضعف في دول أفريقيا جنوب الصحراء، ولذلك تعتمد وزارة المالية على 90 في المئة من الإيرادات على الضرائب غير المباشرة (الرسوم الجمركية على التجارة الدولية والواردات وضرائب القيمة المضافة).

ومع استمرار الحرب خسرت وزارة المالية إيرادات هائلة جراء توقف النشاط الاقتصادي مما سيفاقم وضع المالية العامة، قبل الحرب أوضاع الإيرادات كانت سيئة وعجزت عن سداد الأجور والمرتبات في بداية هذا العام، بحسب تقديرات وأرقام موازنة عام 2023 تتوقع وزارة المالية أن تبلغ الإيرادات العامة 12.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بتقديرات تبلغ 7.363 مليار جنيه (1.27 مليار دولار) تتنوع بين إيرادات ضريبية بنسبة 57 في المئة، إلى جانب 38 في المئة تمثل إيرادات أخرى، في حين بلغت تقديرات المنح 5 في المئة في موازنة عام 2023 (عام الحرب).

تلك التقديرات للإيرادات كانت قبل انطلاق الحرب، وبالعودة لأرقام موازنة عام 2022 نجد أن التقديرات الأولية المتوقعة للإيرادات في كراسة الموازنة كانت 3.4 تريليون جنيه (5.9 مليار دولار)، بينما كانت الأرقام الفعلية التي تحققت من إجمالي الإيرادات هي 2.9 تريليون جنيه (5 مليارات دولار) بنسبة أداء 85 في المئة، وفي عام الحرب تقديرات الموازنة من الصعب أن تحقق نفس هذه النسبة بل العكس ستتسع الفجوة بين التقديرات والأداء الفعلي بما لا يقل عن الـ50 في المئة في ظل توقعات تشير إلى أن السودان قد يخسر نحو 2.5 مليار دولار من إيراداته المرصودة في الموازنة بسبب الحرب نسبة للوزن الكبير الذي تمثله ولاية الخرطوم في خريطة النشاط الاقتصادي والإيرادات.

الحرب وتدمير القطاعات الاقتصادية وفقدان الوظائف

إلى ذلك، تسببت الحرب في تدمير المنطقة الصناعية بمدينة الخرطوم، إذ تشكل مدينة الخرطوم بحري قلب الصناعة في السودان، بعد أن تأثرت هذه المنطقة بالحرب بصورة مباشرة مما دفع المنشآت الصناعية إلى الإغلاق بعد عمليات نهب واسعة في هذه المدينة الصناعية.

وتصل نسبة القطاع الصناعي السوداني إلى نحو 21 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، إذ تحتضن ولاية الخرطوم 85 في المئة من المنشآت الصناعية في السودان، ما قد يؤدي إلى تدمير للقطاع الصناعي وانكماش النمو الاقتصادي وفقدان عشرات الآلاف من الوظائف.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن الحرب عطلت أيضاً التحضير للموسم الزراعي الصيفي، إذ يسهم القطاع الزراعي بنحو 32.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وكان السودان قبل اندلاع الحرب يعاني من تراجع الإنتاج الزراعي في عام 2022، إذ تراجع إنتاج الحبوب بمقدار 36 في المئة وبلغ إنتاج الذرة 3.2 مليون طن، إضافة إلى 900 ألف طن من الدخن (الدخان).

الإنتاج المحلي من الحبوب 

وأنتج السودان نحو 600 ألف طن من القمح (أقل من متوسط الإنتاج في خمس سنوات بـ 13 في المئة) ويغطي هذا المحصول من القمح نحو 23 في المئة من حاجة الاستهلاك، إذ يحتل السودان المرتبة الخامسة من بين الدول المستوردة للقمح عالمياً من روسيا، إذ يستورد نحو 1.3 مليون طن سنوياً، بينما تقدر حاجة السودان من الحبوب السنوية نحو 7.6 مليون طن وتلك الكمية تجعله لا ينزلق في مشكلات نقص الغذاء والمجاعة.

 تلك الأرقام الضعيفة من الإنتاج وهذه الفجوة كانت في العام الماضي على رغم زراعة 31.7 مليون فدان في الموسم 2021-2022، إذ كانت الفجوة نحو 2.5 مليون طن من الحبوب، وتشير التوقعات إلى اتساع تلك الفجوة إلى نتيجة لثلاثة أسباب رئيسة وهي تقلص المساحات المنزرعة وعدم توافر التمويل الكافي بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالنظام المصرفي في ولاية الخرطوم، بينما ثالث تلك الأسباب هو عدم توافر الوقود ومدخلات الإنتاج قبل وقت كاف من بداية الموسم الصيفي، إذ إن الحرب اندلعت في وقت حرج للغاية بالنسبة إلى الموسم الزراعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير التوقعات إلى أن حاجة السودان للحبوب المستوردة قد تصل إلى نحو 3.5 مليون طن، مقارنة بعام 2022، عندما بلغت كلفة الواردات من المواد الغذائية 2.8 مليار دولار، ومع التداعيات السلبية للحرب من المتوقع أن ترتفع فاتورة استيراد المواد الغذائية بمقدار 1.1 مليار دولار لتسجل نحو 3.6 مليار دولار في 2023 (التقديرات مرشحة للزيادة مع استمرار الحرب واتساع نطاقها) وذلك لاتساع فجوة الحبوب وارتفاع كلفة استيراد الزيوت والسكر والمياه المعدنية.

قطاع الخدمات

ويشكل قطاع الخدمات في السودان نحو 46.3 في المئة وتبرز الخرطوم كماكينة لهذا القطاع، ومع استمرار الحرب تسبب في زيادة كلفة الاستيراد مع ارتفاع كلفة الشحن لأكثر من الضعف، إضافة إلى ارتفاع كلفة تمويل العمل التجاري، علاوة على إغلاق المجال الجوي وتدمير مطار الخرطوم، مما كان له تأثير مباشر على قطاع الشحن الجوي وفقدان إيرادات نحو 30 طائرة يومياً تقريباً، إضافة إلى تأثير الإغلاق على صادرات الذهب السوداني الذي يشكل نحو 46 في المئة من إجمالي الصادرات السودانية في 2022.

إلى ذلك، فأن قياس الكلفة الاقتصادية أمر معقد مرتبط بكثير من البيانات التي قد لا تكون متوافرة أثناء الحرب، فمثلاً في الحالة السودانية حدث دمار هائل في مطار الخرطوم وكذلك تضرر قطاعي الصناعة والتجزئة، إلى جانب نهب المخازن، إضافة إلى فاقد الإيرادات اليومي نتيجة لتوقف النشاط الاقتصادي في ولاية الخرطوم وبعض المدن في ولاية دارفور مع إغلاق المصارف في العاصمة، وتوقف العمل في جهاز الدولة الإداري بالخرطوم وتعطل انسياب الخدمات يمثل خسائر فادحة من المبكر قياسها.

 فهذا المقال يعطي مؤشرات عامة وتقديرات تعتمد على المقاربة بين أرقام ما قبل الحرب وتوقعات التدهور بعد الحرب التي تدخل إلى نهاية شهرها الثاني.




Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى