مقالات

الأحداث العالمية وبناء القدرات الوطنية

العالم يموج في كثير من الأحداث والكوارث الطبيعية والسياسية والاجتماعية، حتى إن المرء ما إن ينتهي من متابعة حدث إلا ويفاجأ بحدث أو أحداث جديدة، وما من شك أن في ظاهرها وباطنها عبرا وكنوزا معرفية، وعظات وآيات متى ما تحقق التدبر والدراسة المتأنية والعميقة لهذه الأحداث من قبل عامة الناس وذوي الاختصاص أفرادا ومؤسسات رسمية وغير رسمية.
تابعت كما تابع غيري من الناس في جميع أرجاء العالم، الزلزال العنيف الذي ضرب تركيا وسورية مخلفا آثارا كبيرة وقاسية في الوطنين والمجتمعين، سواء في البنى التحتية، كالمباني، والطرق، والمدارس، والمستشفيات، وفوق هذا، وأهم منها عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين والمشردين من المنازل إلى الشوارع، والمساجد، والحدائق في جو شديد البرودة، لتتراكم المآسي على رؤوس مواطني المناطق التي ضربها الزلزال.
وسائل الإعلام العالمية والمحلية رصدت عدساتها مع شرح مراسليها الواقع على الأرض من هبوط، وخسف، ودمار شديد يفوق التصور ويحدث الذهول في المتابع من بعيد، فكيف بمن عاشوا الظرف القاسي، وهم يشعرون بتحرك الأرض من حولهم، وتماوج مبانيهم منذرة بالسقوط السريع. كما رصدت الكاميرات أعمال الإنقاذ التي تقوم بها فرق الإغاثة والطوارئ والمتطوعين، التي تقدر أعدادها بـ100 ألف في تركيا مع جميع المعدات الثقيلة والخفيفة في مسارعة مع الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأنفس القابعة تحت الأنقاض والركام في ظروف جوية قاسية. ما يثلج الصدر صور وصول الإغاثة السعودية بطائرة النقل العملاقة التي تحمل جميع المستلزمات من سيارات ومعدات، وأغذية، وألبسة، وأدوية لنكون سباقين بجانب إخواننا في تركيا وسورية.
الخبراء والمتخصصون في أرجاء العالم كافة كان لهم حضور إعلامي لافت في تفسير الزلزال، من حيث أسباب حدوثه، ووقته، وشدته، مع العلم أن عالم الزلازل الهولندي تنبأ به قبل أربعة أيام من حدوثه، كما ذكرت وسائل الإعلام، ليكون السؤال طالما أن الخبير الهولندي علم بذلك، فأين المختصون ومراكز الرصد والمعامل المتخصصة في كل من تركيا وسورية عن ذلك؟
لفت انتباهي في حديث المتخصصين على وسائل الإعلام التصنيف الجغرافي للدول، والأماكن المعرضة للزلازل مثل تركيا، وسورية، وإيران، واليابان، ومما ذكر أن تركيا تقع على ملتقيات قارية بين آسيا، وأوروبا، وإفريقيا ما جعل باطن الأرض عبارة عن صفائح، وليست كتلة واحدة متماسكة، ما كان له دور في شدة الزلزال وقوته التدميرية التي تعادل قوة 130 قنبلة ذرية لتكون النتيجة الهبوط والخسف، وتحرك تركيا بكاملها ثلاثة أمتار باتجاه البحر.
ما يهمني مناقشته في مقال اليوم هو الدور الذي يفترض أن تقوم به المؤسسات العلمية، وأخص بالذكر الجامعات ومراكز البحوث والجهات ذات العلاقة، كالدفاع المدني، وهيئات الإغاثة، لكيلا تمر هذه الأحداث والكوارث دونما دروس مستفادة، فخلال الأعوام الثلاثة الماضية حدثت أشياء كثيرة، مثل كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية التي لا تزال مستعرة، والآن الزلزال المدمر، إذ أرى في هذه الأحداث كثيرا من الأنشطة العلمية، كالعصف الذهني، والندوات، والمؤتمرات المتخصصة، والمحاضرات، والبحوث الجغرافية والتاريخية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، فالهجرات، والتشرد الذي حدث نتيجة الحرب أحدث ضغوطا سياسية واقتصادية على أوروبا، كما في شح الغاز، والعقوبات على روسيا، والخوف من نقص الأغذية، والتوجه لإيجاد بديل عن الدولار، والاستعاضة بنظام جديد عن نظام سويفت الذي تتحكم فيه أمريكا.
كما نجمت عن الحرب بداية تشكل أحلاف عالمية جديدة، أما نتائج الزلزال فالكاميرات، وما تنقله فيه كثير من رسم الصورة الظاهرية، إلا أن النتائج الخفية الاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية، والسياسية، والتنظيمية تمثل مواد دسمة للباحثين وللجهات المعنية لنستفيد كوطن، ونفيد غيرنا بما نتوصل إليه من نتائج، ونكتسب من خبرات لمواجهة الظروف الطارئة لو حدثت -لا سمح الله- فعملية الإغاثة، والإخلاء، والإسعاف بصورة منظمة خالية من الفوضى والارتباك تمثل هدفا يجب السعي إلى تحقيقه بتنظيم الدورات، وورش العمل لاكتساب المعارف والمهارات والتدرب على استخدام المستلزمات كافة.


Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى