عالمي

غالبية مجالس الإسكان البلدية البريطانية لم تبن أي منزل

لم تبن معظم السلطات المحلية منزلاً واحداً تابعاً لمجلس بلدي في السنوات الخمس الماضية، وفقاً لتحليل صادم يكشف عن المستوى الذي وصل إليه الشلل في الإسكان المدعوم من الحكومة الذي يفترض أنه يعمل لمصلحة أصحاب الدخل المحدود.

وتوجد الآن أكثر من 1.2 مليون أسرة على قائمة انتظار العقارات، وتشير الأرقام إلى أنه في السنة المالية 2021/2022، لم ينهض لبناء أي منازل جديدة سوى ثلث السلطات المحلية في إنجلترا.

وكذلك كشف تحقيق معمق أجرته صحيفة “اندبندنت” عن أن أكثر من نصف المجالس البلدية لم يبن منزلاً واحداً خلال الأشهر الـ12 لعام 2022.

وتأتي النتائج التي توصلنا إليها في الوقت الذي يزعم فيه ريشي سوناك أن الحكومة على وشك الوفاء بالتعهد الذي أدرجته في بيانها الانتخابي والمتمثل في بناء مليون منزل جديد للراغبين في الشراء خلال هذه الدورة البرلمانية. لكن تبين بعد أسابيع معدودة أن وزارة مايكل غوف [المتخصصة في شؤون الإسكان ورفع مستوى المناطق والمجتمعات] أعادت لوزارة المالية 1.9 مليار جنيه استرليني [حوالى 2,44 مليار دولار] خصصت في الأصل لمعالجة أزمة الإسكان في إنجلترا، بعدما وضعت تقارير تفيد بأنها جهدت [من دون جدوى] للعثور على مشاريع مساكن يمكن إنفاق هذا المبلغ عليها.

وذكر مسؤولون إن وزارة الإسكان ورفع مستوى المناطق والمجتمعات، لم تقدر على إنفاق هذا المال بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وغموض سوق الإسكان. وشمل المبلغ 255 مليون جنيه استرليني [حوالى 328.72 مليون دولار] مخصصة لتمويل مساكن جديدة بكلفة مقدور عليها و245 مليون جنيه استرليني [حوالى 315.86 مليون دولار] من أجل تحسين سلامة المباني.

وتم إدراج أكثر من 88 ألف أسرة جديدة على قائمة انتظار المنازل التابعة للبلديات خلال السنوات الخمس الماضية، فيما أجبر عدد من المنتظرين على الإقامة في مساكن غير مناسبة تابعة للقطاع الخاص.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكذلك تروج مخاوف من أن الإيجارات الآخذة في الارتفاع، إذ سجلت مستوى قياسياً جديداً هذا الأسبوع، مما سيؤدي إلى خروج كثيرين بشكل كامل من سوق الإسكان [لعدم قدرتهم على الشراء]، إذ أظهرت بحوث أن الأشخاص الذين يتلقون إعانة الإسكان لا يمكنهم الآن تحمل كلفة استئجار سوى أربعة في المئة من منازل القطاع الخاص المعروضة للإيجار.

وأفاد موقع “رايت موف” الإلكتروني للعقارات بأن متوسط الإيجار المطلوب من القطاع الخاص خارج لندن ارتفع إلى 1231 جنيهاً استرلينياً شهرياً (نحو1586 دولاراً)، في حين أن الإيجار المطلوب من المستأجرين الجدد في لندن بلغ معدلاً قياسياً يوازي 2567 جنيهاً استرلينياً (نحو 3308 دولاراً)، أي بزيادة الثلث بالمقارنة مع مستوياته قبل ثلاث سنوات.

وفي ذلك الصدد، أوضح أحد الناشطين في مجال الإسكان لصحيفة “اندبندنت” أن البيوت كبيرة بشكل يكفي لإيواء عائلة مؤلفة من خمسة أفراد توفرت مرة واحدة في السنة، وفي غضون ذلك اضطر عدد من العائلات إلى الإقامة في منازل تضم غرفة نوم وحيدة.

ومن ناحية أخرى، تشير المجالس البلدية إلى أنها تبذل كثيراً من الجهود بهدف بناء مزيد من المنازل المخصصة للإيجار المدعوم من الحكومة لأصحاب الدخل المحدود، وذلك بسبب نقص التمويل من الحكومة المركزية والإجراءات التي تقيد قدرتها [على اختيار] الطريقة التي تمكنها من تمويل مبان جديدة.

وفي المقابل، اعتبرت ليزا ناندي وزيرة الإسكان في حكومة الظل أن بناء المساكن “ينهار متحولاً بسرعة إلى خدمة فاشلة لأن المحافظين حطموا الاقتصاد، إضافة إلى استسلام ريشي سوناك أمام نواب حزب المحافظين، بشأن أهدافه في الإسكان”.

وأضافت “ليس هناك من حل لأزمة الإسكان لا يتضمن إنشاء برنامج أساسي لبناء مساكن مدعومة من الحكومة وبأسعار معقولة”.

واستطراداً تأتي هذه التعليقات في وقت تعد فيه الحكومة بوضع خطط جديدة “تحرير” نظام التخطيط وذلك من أجل تشجيع عمليات التطوير في المناطق الحضرية، وكذلك مساعدة أصحاب المنازل في توسيعها وتحويل المحال التجارية والمباني الزراعية القديمة إلى منازل، وذلك عن طريق إلغاء الروتين الكامن في قانون التخطيط.

في المقابل، ذكرت “جمعية الحكومة المحلية” إن الخطط تجازف بإحداث مشاريع عن تشييد مبان ذات نوعية رديئة والتسبب بنقص في الإسكان المنخفض الكلفة.

 

“هناك عفن على الجدران، إنه أسود ومبلل بالكامل”

 

في مثل معبر، وضع اسم يولي رودريغيز على قائمة الانتظار منذ أكثر من ثلاث سنوات للحصول على منزل من البلدية في لندن. وأخبرت صحيفة “اندبندنت” إن أكبر أطفالها، إميلي، 12 سنة، وأدريان، 10 سنوات، يضطران إلى النوم في غرفة المعيشة في شقتها المستأجرة من القطاع الخاص والمؤلفة من غرفتي نوم [وغرفة معيشة]، وذلك بسبب تسرب المياه من سطح الغرفة الثانية. وأصيب طفلها الأصغر، ثياغو، البالغ من العمر عامين، بمشكلات تنفسية تعتقد رودريغيز أنها ناجمة عن العفن على الجدران.

وتروي أيضاً بعض ذكرياتها، “كنت أنام مع طفلي أخيراً وكان الماء يتدفق من الضوء المركب في السقف. كان فراشي مبتلاً تماماً واتصلت بالمالك ولكنه لم يجب على المكالمة. لقد أرسلت إليه كثير من الرسائل من طريق البريد الإلكتروني إلا أنه لا يريد إصلاح أي شيء. يوجد عفن على الجدران. إنه أسود والحائط مبلل بالكامل”.

ولقد شخصت إصابة الطفل ثياغو بعدوى في الجهاز التنفسي وأعطي مضادات حيوية لمعالجة أزيز في تنفسه أثناء صيف العام الماضي. وتظهر الصور سقف غرفة النوم الصغيرة مغطى بقطرات ماء ناجمة عن عمليات تكثف المياه عليه.

وتعمل جوانا البالغة من العمر 51 سنة، عاملة تنظيف، وتعيش في سكن موقت في منطقة لامباث منذ ثلاث سنوات ونصف سنة بانتظار توفر منزل دائم من المجلس البلدي. وقد نقلت إلى شقتها الحالية بعدما جاء إطفائيون مع موظفين في البلدية إلى منزلها السابق وأخبروا السكان بوجوب الانتقال على الفور لأنه غير آمن.

وفي حديث مع “اندبندنت”، أوضحت ديانا “إنه انتظار مرهق ولا تعرف متى قد يجري نقلك مرة أخرى أو إلى أين يمكن أن تذهب”.

وكذلك بينت أن الشقة لم تكن مفروشة حينما وصلت إليها بادئ الأمر مع زوجها وابنتها المراهقة. وأضافت، “حينما انتقلنا إلى هنا في البداية، اعتدنا النوم على الأرض لمدة تراوحت بين إلى ثمانية أشهر لأننا لم نكن نعرف كم من الوقت سنبقى هناك. لم نمتلك أي سرير أو أي شيء كي نحضره معنا”.

وتابعت جوانا “لم يكن هناك سوى جهاز طبخ وغسالة وثلاجة. لم يحتو المنزل أي شيء آخر. واضطررت إلى شراء كل الأشياء من الصفر. اكتفيت بالنوم على السجادة مع بطانية تغطيني”.

 

هناك حاجة إلى “نهضة”

حدث انخفاض صارخ في عدد المنازل التي تبنيها السلطات المحلية سأثناء العقود الأخيرة. ولقد جرى بناء أكثر من 100 ألف منزل سنوياً في إنجلترا خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ثم تضاءل العدد إلى بضعة آلاف سنوياً في السنوات الأخيرة، وفقاً لبيانات وزارة رفع المستوى.

ويظهر تحليل للبيانات الحكومية أنه في كل من السنوات المالية الخمس الماضية، لم يبن ثلثا المجالس البلدية منزلاً واحداً.

وفي السنة المالية 2021- 2022، لم يقم أي من الـ207 مجالس بلدية، من أصل 307 منها قدمت بيانات للحكومة، ببناء منزل في تلك الفترة. كذلك خلص مسح سريع لمجالس المقاطعات والأحياء في إنجلترا أجرته صحيفة “اندبندنت” إلى أن يكاد يفوق نصف السلطات المحلية لم يبن منزلاً واحداً في الأشهر الـ12 من عام 2022. وذكر 80 من بين 148 مجلس بلدي شارك في المسح، إنهم لم يكملوا بناء منزل واحد في العام الماضي. ويقارن هذا مع 73 مجلسا بلدياً لم تستطع الانتهاء في عام 2021 من بناء أي منزل.

وفي سياق متصل، انتهى المجلس البلدي لمدينة برمنغهام من بناء معظم المنازل الجديدة، مع 185 مسكناً في عام 2022، خصص 97 منها للإيجار المدعوم من الحكومة. وسلم المجلس البلدي لمنطقة أيزلينغتون 178 عقاراً في عام 2022، خصصص 136 منها للإيجار المدعوم من الحكومة. وسلم مجلس بلدية روثرهام متروبوليتان 124 منزلاً، جرى تشييد 90 منها بأسعار معقولة، فيما خصص 20 للملكية المشتركة و14 للبيع في السوق.

وفي ذلك الصدد، أوضح تشارلي ترو، رئيس قسم السياسة في مؤسسة “شيلتر” الخيرية للإسكان، إن خفض [مشاريع البناء] خلال فترة التقشف أدت إلى تجريد المجالس البلدية من قدرته على تشييد المساكن.

وأضاف أن التغييرات في المنح المالية من الحكومة المركزية فاقمت المشكلة أيضاً وجعلت المجالس البلدية تعتمد بشكل متزايد على الدعم المتبادل (إذ تبني المجالس خليطاً من المساكن المخصصة للإيجارات المدعومة من الحكومة والعقارات المخصصة للتأجير في القطاع الخاص).

وتابع ترو “نود أن نرى نهضة في بناء منازل المجالس البلدية، لا سيما المنازل المدعومة إيجاراتها من الحكومة. نود أن نرى مزيداً من المجالس البلدية تعود لعملها في بناء البيوت”.

وفي معرض الحديث عن فوائد المنازل التي تشييدها المجالس البلدية، أوضح ترو إنها “لا تحصل حالياً على عدد كبير جداً من [المنازل ذات الإيجارات المدعومة من الحكومة] عبر شركات خاصة لأن الأخيرة تحاول زيادة الأرباح إلى أقصى حد. إنهم يحاولون تقصير [الفترة اللازمة] لتسليم تلك المنازل قدر الإمكان، في حين أن لدى المجلس، المسؤول عن التشرد وقوائم انتظار الإسكان المدعوم من الحكومة، حافزاً مباشراً لبناء منازل بأسعار معقولة حقاً للسكان المحليين”.

 

“الحكومة بحاجة إلى أهداف”

وفي الإطار نفسه، شرحت إليزابيث وايت، من “هيئة ساوثوارك ولامبث للعمل من أجل الاسكان”، كيف يؤثر النقص في منازل المجلس البلدي في هؤلاء الذين يعيشون في منطقتها.

ووفق رأيها، “إذا كنت بحاجة إلى بيت من المجلس البلدي بحجم مناسب لعائلة، فعليك أن تنتظر سنوات وسنوات”. وأضافت “في ساوثوارك مثلاً، قد ترى منزلاً يشتمل على خمس غرف نوم يتوفر مرة واحدة في السنة. وكلما احتجت إلى مزيد من غرف النوم، زادت فترة انتظارك. ثمة عائلات كثيرة تعيش فوق بعضها بعضاً في منزل يضم غرفة نوم واحدة، وهو بيت سيتخلون عنه بكل سرور، لكن المنازل ذات الحجم العائلي ليست موجودة”.

وفي معرض شرحها عن الفارق في الإيجارات، بينت وايت إن “جمعيات الإسكان الإيجار المدعوم من الحكومة، الذي يمكن أن يتشابه بالفعل مع إيجارات المجلس البلدي، توفر منازل بإيجارات اجتماعية بمعنى أنها تمثل 80 في المئة من إيجار السوق. وهذا يشكل فارقاً في الإيجار في الأسبوع يصل إلى مئات الجنيهات الاسترلينية، ولدى مقارنته مع إيجارات المجالس البلديه تبدو الأخيرة أنها خارج طاقة عائلات كثيرة”.

وفي ملمح متصل، تعرض ريشي سوناك رئيس الوزراء إلى انتقادات بسبب تخليه عن الهدف الإلزامي الخاص ببناء 300 ألف منزل جديد سنوياً بحلول منتصف العقد الحالي. لقد طرح الهدف الوطني استناداً على تقدير عدد المنازل اللازمة لمواكبة الطلب [على البيوت]، طرحه فيليب هاموند في عام 2017 حينما تولى آنذاك وزارة المالية. ولكن في العام الماضي، وصفت ليز تراس الهدف بأنه “ستاليني” مشيرة إلى ضرورة إلغائه. وفي المقابل، رأت حكومة سوناك أن الهدف قابل للتحقق، بيد أنها تعتبره الآن بصفة “الاستشاري” وليس “الإلزامي”.

في مسار مواز، وعد حزب العمال بإعادة تطبيق الأهداف مع تبني جعل 70 في المئة من البريطانيين يملكون منازلهم. كذلك تعهد ببناء مئات الآلاف من المنازل الجديدة التابعة للمجالس البلدية، موضحاً أنه لن يسمح للسلطات المحلية بالانسحاب من ميدان بناء المنازل.

واعتبر إحسان خان، العضو المسؤول عن الإسكان في المجلس البلدي في والثام فوريست، نيوهامشاير، أن إلغاء أهداف الإسكان شكل خطأ. وأردف، “تحتاج الحكومة إلى أهداف ويجب أن تحفز جميع القطاعات، لا سيما المجالس البلدية، من أجل تقديم منازل المجالس للأشخاص المدرجة أسماؤهم في سجلات الإسكان في كل أنحاء البلاد”.

وفي نفس مماثل، رأى ديارميد وارد، عضو المجلس البلدي في أيزلينغتون أن “بناء منزل للبلدية في لندن يكلف حوالى 300 ألف جنيه استرليني (نحو 386 ألف دولار)، وتغطي المنحة الحكومية حوالى ثلث هذا المبلغ. لذا عليك أن تجد الثلثين الآخرين في مكان ما. ويضاف إلى ذلك أنه لديك ’حق الشراء‘، ما يؤدي إلى استنفاد رصيد المجلس من المساكن. وإذا جمعت بين الشرور المزدوجة المتمثلة في التضخم وأسعار الفائدة، فهذا يصعب مسار تشييد المنازل بشكل كبير”.

ودعت “جمعية الحكم المحلي” التي تمثل المجالس البلدية، إلى “نهضة حقيقية في بناء بيوت المجالس البلدية”. ورحبت بالتدابير الحكومية الأخيرة الرامية إلى رفع سقف الاقتراض السكني والسماح للمجالس البلدية بالاحتفاظ لمدة عامين بأثمان البيوت التي باعتها بموجب “حق الشراء”.

في المقابل طالبت تلك الجمعية باحتفاظ المجالس البلدية بنسبة 100 في المئة من تلك الأثمان على أساس دائم، وإنشاء فرقة عمل وطنية جديدة من شأنها أن تقدم مساعدة إضافية للمجالس التي ترغب في البناء.

في تعليق على تلك المعطيات، ذكر متحدث باسم وزارة رفع المستوى والإسكان والمجتمعات إن الحكومة تدعم المجالس البلدية “من خلال استثمار 11.5 مليار جنيه استرليني (نحو 14.83 مليار دولار) بغية بناء الآلاف من المنازل الجيدة التي يمكن تحمل كلفتها. لقد عملنا منذ عام 2010، على تسليم أكثر من 632 ألف منزل بأسعار يمكن تحملها في إنجلترا، بما في ذلك أكثر من 162 ألف منزل للإيجار المدعوم من الحكومة، ونحن ملتزمون زيادة هذا العدد”.




Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى