عربي

أدوية السمنة تعيد رسم اتجاهات المستثمرين في سوق مرشحة للنمو 16 مرة

لفترة وجيزة في أواخر العام الماضي، أصبحت شركة الأدوية النرويجية نوفو نورديسك الشركة الأكثر قيمة في أوروبا. لم تكن الشركة معروفة أو ذائعة الصيت والانتشار في القارة الأوروبية أو في باقي قارات العالم، لكنها بمحض الصدفة ودون سابق إنذار باتت في مقدمة الشركات الأوروبية والعالمية بقيمة 428 مليار دولار، والفضل في ذلك يعود إلى اكتشافها دواء يريده ويحتاج إليه ملايين من البشر في جميع أنحاء العالم.
وعلى غرار قصة “الفياجرا”، الذي كان في الأصل يفترض فيه أن يعالج ارتفاع ضغط الدم، فتحول بفضل آثاره الجانبية إلى منشط جنسي، أعاد الاستقرار النفسي والثقة بالذات إلى ملايين الرجال في الكوكب، فإن الشركة النرويجية صممت دواء لمعالجة مرض السكري من النوع 2، لكن آثاره الجانبية وجدت أنه يضمن تقريبا جعل الأشخاص يفقدون الوزن.
وفي العام الماضي، وصلت قيمة السوق العالمية لأدوية علاج السمنة إلى ستة مليارات دولار سنويا، وبحلول 2030 يمكن أن تنمو بأكثر من 16 مرة لتصل إلى 100 مليار دولار، وبعض التقديرات الأكثر تفاؤلا تصل بهذا المبلغ إلى ما يراوح بين 150 و200 مليار دولار.
يعكس هذا النمو الشعور العالمي بخطورة مرض السمنة، الذي تعرفه المراجع الطبية بأنه تراكم غير طبيعي أو مفرط للدهون بشكل يمثل خطرا على الصحة البدنية والعقلية.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، تضاعفت الإصابة بالسمنة على المستوى العالمي ثلاث مرات منذ 1975. واليوم تعد السمنة الخطر الخامس – وفقا لمنظمة الصحة العالمية – في أسباب الوفاة على مستوى العالم.
ومن المتوقع أن تستمر معدلات السمنة في الارتفاع مدفوعة في ذلك بعوامل كثيرة في حياتنا المعاصرة، من بينها أنماط الطعام وانخفاض مستويات النشاط البدني والوراثة.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية سيعانونزيادة الوزن أو السمنة بحلول 2035، مقارنة بنسبة 38 في المائة في 2020.

سوق واعدة

الدكتور إم.دي وينجروف الطبيب المتخصص في علاج السمنة يقول لـ”الاقتصادية”، “لا تزال سوق أدوية السمنة في مراحلها الأولى، لكنها سوق واعدة للغاية، فالسمنة مشكلة عالمية وقضية خطيرة إلى الحد الذي دفع مجلس العموم البريطاني إلى مناقشتها، فالمسح الصحي البريطاني في عام 2021 وجد أن نحو 26 في المائة من البالغين يعانون السمنة المفرطة و38 في المائة يعانون زيادة الوزن لكنهم لا يعانون السمنة المفرطة”.
ويضيف “في الولايات المتحدة وحدها هناك 115 مليون شخص من البالغين والأطفال يعانون السمنة المفرطة أو زيادة الوزن، وزيادة مبيعات أدوية السمنة تعود في جزء منها إلى أنها باتت تدخل بشكل متزايد في التأمين الطبي، وهناك وعي متنام بخطورتها خاصة منذ عام 2013 عندما اعترفت الجمعية الطبية الأمريكية بالسمنة كمرض مزمن”.
ويعتقد الدكتور إم.دي وينجروف أن الأجيال الأولى من أدوية علاج السمنة كانت لديها مشكلات كثيرة تتعلق بالسلامة الصحية، لكن في الأعوام الأخيرة باتت الأدوية أكثر فاعلية، وبعضها يسهم في فقدان الوزن بنسبة قد تصل إلى 20 في المائة.
لا يتعلق موضوع مكافحة السمنة بالأبعاد الصحية المباشرة على الأفراد فحسب، بل يمتد الموضوع من وجهة نظر الدكتور باتريك إريمن أستاذ الاقتصاد الاجتماعي في جامعة باث إلى التأثيرات الاقتصادية في الاقتصاد الكلي للمجتمع وفي صناعة الأدوية والمستحضرات الطبية.
ويقول لـ”الاقتصادية”، “إن خفض معدلات السمنة في المجتمع يخفف من العبء الاقتصادي الناجم عن المرض ذاته، فعلى سبيل المثال أفادت تقديرات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة بأن التكاليف الطبية المرتبطة بمحاربة السمنة بلغت في الولايات المتحدة 173 مليار دولار في 2019، أما إجمالي التكاليف المرتبطة بالسمنة سواء المتعلقة بالرعاية الصحية أو الإنتاجية فستتجاوز أربعة تريليونات دولار بحلول 2035، أي ما يعادل 3 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي”.

زخم بعد ركود

لأعوام كانت سوق أدوية إنقاص الوزن راكدة نتيجة المنتجات غير الفعالة أو التي تحمل آثارا جانبية مؤلمة أو ضارة، لكن العلاجات الجديدة، تجعل الاعتقاد السائد الآن في عديد من الأوساط الطبية أن الشعبية المفاجئة لأدوية إنقاص الوزن ستساعد على إيجاد سوق بمليارات الدولارات، بدرجة تجعلها منافسة للطلب على أدوية السرطان وأمراض القلب، ومن المرجح أن يساعد ذلك على جذب مزيد من الاستثمارات لتطوير علاجات إنقاص الوزن.
وبالفعل فقد نجحت بعض الشركات في جمع أو عقد صفقات بقيمة تزيد على 1.4 مليار دولار لتطوير أدوية في ذلك المجال، بينما ستقوم نحو 12 شركة في مجال التكنولوجيا الحيوية بطرح أسهمها للاكتتاب في مجال علاجات السمنة.
ويرى ستيفنز روي المحلل المالي في بورصة لندن أن إقبال المستثمرين على الاستثمار في هذا النطاق يكشف عن تغييرات مهمة في رؤيتهم الاستثمارية.
ولـ”الاقتصادية” يعلق قائلا “غالبا لا يهتم المستثمرون في شركات التكنولوجيا الحيوية بالاستثمار في مجال الأمراض المزمنة، لأن التوصل إلى دواء فعال في مجال الأمراض المزمنة يتطلب إجراء تجارب طويلة جدا وباهظة التكلفة، لكن الإقبال الأخير من قبل المستثمرين على الاستثمار في الشركات التي تعمل على تصميم أو اكتشاف علاجات للسمنة يشير إلى قناعة متنامية بوجود أسواق واعدة في هذا المجال”.

احتكار

في الوقت الراهن يوجد 80 دواء على مستوى العالم قيد التطوير لعلاج السمنة أو الأمراض ذات الصلة، ويكشف هذا عن حجم المنافسة التي تشهدها سوق علاجات السمنة أو زيادة الوزن، ويتوقع عديد من المحللين أن تهيمن شركة نوفو نورديسك النرويجية وشركة إيلي ليلي الأمريكية على هذا القطاع من السوق في احتكار ثنائي لفترة طويلة، حيث يتوقع الخبراء أن تسيطر الشركتان على 80 في المائة من السوق في عام 2030.
وأخيرا ارتفعت قيمة سهمي الشركتين بشكل ملحوظ على خلفية التفاؤل بشأن الوضع الراهن والمستقبلي لسوق الأدوية المضادة للسمنة، فقد ارتفعت قيمة سهم شركة نوفو نورديسك بنحو 40 في المائة، بينما ارتفع سهم شركة إيلي ليلي بنحو 80 في المائة.
وعلى الرغم من توقع استمرار الشركتين في احتكار السوق لفترة طويلة، فإن هذا لن يمنع بعض شركات الأدوية الأخرى من التطلع إلى اقتحامها خاصة في ظل نقص المعروض من العلاجات الجديدة ومعدلات الأرباح المرتفعة.
ويعلق جورج فليب الخبير الاستثماري لـ”الاقتصادية”، قائلا “هناك إمكانية لمزيد من عمليات الاستحواذ أو التعاون بين الشركات الكبرى وصغار منتجي أدوية السمنة، وإذا حدث هذا فإن المشهد التنافسي في السوق سيتغير بشكل كبير في الأعوام المقبلة، فحتى الآن العرض أقل من الطلب على أدوية السمنة”.
ويتوقع أن يستمر نقص العرض في مواجهة الطلب لأعوام، لكن هذا الوضع سيبدأ في التراجع من العام الجاري بسبب سعي كل من شركة إيلي ليلي وشركة نوفو نورديسك لزيادة المعروض، خاصة أن آخر التقارير تشير إلى استحواذ الشركتين على شركات صغيرة منتجة لأدوية معالجة السمنة، وذلك للحفاظ على هيمنتهما على السوق، وستقوم شركة نوفو نورديستك باستثمار ستة مليارات دولار لتوسيع منشأتها الصناعية في الدنمارك، وستمتد عملية الانشاء بين عامي 2025 و2029، كما ستنفق نحو 2.3 مليار دولار لتوسيع إنتاجها في فرنسا.


Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى